ليمتلكها أدت به إلى النار. وروي عن الشافعي مرة وجوب رفعها، ومرة تفضيل أخذها. وروي عن أبي حنيفة أن كلا الأمرين مباح، والتحقيق التفصيل، فمن خشي عليها الضياع أو التلف إذا تركها، وهو يعتزم تعريفها وجب أو استحب له رفعها. ومن لم يخش عليها شيئا من ذلك وهو يرجح عودة صاحبها أو أخذ أمين آخر لها فالورع تركها، وأخذها لأكلها بدون تعريف حرام، وعليه يحمل الحديث "ضالة المسلم حرق النار".
وأما عن النقطة الثانية: فالغرض من حفظ الوعاء والعدد والوكاء وجوه من المصالح: منها أن العادة جارية بإلقاء الوعاء والوكاء إذا فرغ من النفقة، فإذا أمر بحفظ هذين فحفظ ما فيهما أولى، ومنها تمييز اللقطة عن ماله فلا تختلط به، ومنها أن صاحبها إذا جاء بعته فربما غلب على ظنه صدقه فيجوز له الدفع إليه، ومنها أنه إذا حفظ ذلك ساعده على التعريف لها، والأمر بالمعرفة للندب على الراجح، وقيل للوجوب، هذا عقب أخذها أما معرفتها عند التملك فواجبة اتفاقا.
وأما النقطة الثالثة: فالجمهور على أن الملتقط لا يجب عليه أن يدفع اللقطة إلى السلطان، سواء كانت قليلة أو كثيرة، لأن السنة وردت بأن واجد اللقطة هو الذي يعرفها دون غيره، لقوله "عرفها" ويجوز للسلطان أن يأخذها من غير الأمين، ويدفعها إلى أمين ليعرفها، وقيل: يفرق بين القليل والكثير، فإن كان قليلا عرفه وإن كان كثيرا دفعه إلى بيت المال، وفرق بعض المالكية وبعض الشافعية بين المؤتمن وغيره، فألزموا المؤتمن بالتعريف وأمروا غير المؤتمن بدفعها إلى السلطان ليعطيها لمؤتمن ليعرفها.
وأما عن النقطة الرابعة: فقد رخص في أخذ اللقطة اليسيرة والانتفاع بها وترك تعريفها. وخص بما دون الدرهم، ولكنه يبقى على ملك مالكه، لأن التمليك من المجهول لا يصح، واستدل بما روي أنه صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق فقال "لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها" فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمتنع من أكلها إلا تورعا، خشية أن تكون من الصدقة التي حرمت عليه، لا لكونها ملقاة في الطريق، وروي عن مالك أن تركها أفضل.