الأولى: خيار المتبايعين، والثانية نصيحة كل منهما للآخر. أما النقطة الأولى فقد اختلف الفقهاء في تأويل "ما لم يتفرقا" فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن المراد التفرق بالأقوال فإذا قال البائع: بعت وقال المشتري: قبلت، أو اشتريت، فقد تفرقا، ولا يبقى لهما بعد ذلك خيار، ويتم البيع، ولا يقدر المشتري على رد المبيع "لا بخيار الرؤية أو خيار العيب، أو خيار الشرط، وقالوا: إن إثبات خيار المجلس لأحدهما يستلزم إبطال حق الآخر، فينتفي بقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وقالوا: إن الحديث "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" محمول على خيار القبول، بمعنى أنه إذا أوجب أحدهما فقط ولم يقبل الآخر فلكل منهما الخيار ما داما في المجلس، وذهب الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن المراد بالتفرق في الحديث التفرق بالأبدان فلا يتم البيع حتى يوجد التفرق بالأبدان، فلو أقاما في مجلس العقد مدة أو تماشيا مراحل فهما على خيارهما وإن زادت المدة على ثلاثة أيام، فإن اختلفا في التفرق فالقول قول منكره بيمينه -وإن طال الزمن -لموافقته الأصل.

وأما النقطة الثانية: فقد شرحت نتيجة الصدق والنصيحة، وعاقبة الكذب والخديعة، فإن صدق كل منهما في الإخبار عما يتعلق به من محاسن المبيع والثمن، وبين كل منهما لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب في السلعة والثمن بورك لهما في بيعهما فكثر نفع المبيع والثمن، وإن كتم البائع عيب السلعة، وكتم المشتري عيب الثمن، وكذب البائع في الإخبار عن سلعته وكذب المشتري في وصف ثمنه ذهبت بركة بيعهما من الزيادة والنماء الذي كان يحصل على تقدير الخلو من الكذب والكتمان، وليس المراد أن البركة كانت موجودة ثم محقت، بل المراد عدم إنشائها لوجود الكذب والكتمان، وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه الصدق والبيان دون الآخر؟ ظاهر الحديث يقتضي ذلك، ولكن يحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر، فيقوم شؤم التدليس والكذب الذي وقع في ذلك العقد بمحق بركته، وإن كان الصادق مأجورا والكاذب مأزورا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015