أولا: دواعي اليهود لصيام هذا اليوم وتعظيمهم له، فقد روي أنهم كانوا يتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليهن ولباسهن الحسن الجميل، واقتداء بموسى عليه السلام في صيامه له، وسر هذا التعظيم ما ذكره وبقولهم: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من فرعون بإغراقه في اليم، وقيل في فضل هذا اليوم، إن سفينة نوح استوت فيه على الجودي، فصامه نوح شكرا لله وإن يونس نجي فيه من بطن الحوت، وتاب الله فيه على آدم، وأخرج يوسف فيه من الجب، وولد فيه عيسى، وفيه رفع، ورد إلى يعقوب فيه بصره، إلى غير ذلك من الفضائل التي لم يرد فيها أثر صحيح.

ثانيا: ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصومه قبل الهجرة، وكان صيامه له إما عن اجتهاد أو أذن الله بصيامه على أنه فعل خير، أو صامه استنادا إلى شرع إبراهيم عليه السلام، أما أمره أصحابه بصيامه بعد أن سمع مقالة اليهود فلم يكن تصديقا لقولهم، بل لكونه كان يصومه، أو لعل الوحي نزل على وفق قولهم، أو أنه لم يبتدئ الأمر بصيامه فقد كانوا يصومونه، ولم يحدث بقوله تجديد حكم، أو أن هذا من قبيل استئلاف اليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم أو تواتر عنده الخبر أو صامه باجتهاده أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام.

ثالثا: أحقيته صلى الله عليه وسلم بموسى منهم إنما هي باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين، والقرابة الظاهرة، فضلا عن أنه أطوع وأتبع للحق منهم.

رابعا: روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في آخر أعوامه "إن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" ومات صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وروي أنه قال لأصحابه "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما وبعده يوما" فإن قيل: إن رغبته هذه في المخالفة تتنافى مع موافقته لهم ومع قوله "نحن أحق بموسى منكم" قلنا: إنه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما فيما يخالفون فيه أهل الأوثان فوافقهم وقال "نحن أحق بموسى منكم" واستمر على صيام يوم عاشوراء حتى فتحت مكة، ولما تم الفتح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015