ولهذا عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق: قال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره، بل كل ما يسمى سفرا، فالمرأة منهية عنه إلا مع محرم لها، وقدره أبو حنيفة بمسافة القصر، وضابط المحرم عند العلماء من حرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها فخرج بالتأبيد أخت الزوجة، وبالمباح أم الموطوءة بشبهة بنتها، وبحرمتها الملاعنة وممن قال إن عبد المرأة الأمين محرم لها كالإمام أحمد وغيره يحتاج إلى أن يزيد في هذا الضابط ما يدخله، واختلفوا هل يقوم غير المحرم كالنسوة الثقات مقامه؟ والصحيح الجواز لضعف التهمة. وفرق، فقيل: يجوز لفرض حج ثقة واحدة، أما سفرها لنحو زيارة وتجارة فلا يجوز مع النسوة، لأنه سفر غير واجب.
أما صوم يوم الفطر فحرام لأنه للفصل من الصوم وإظهار تمامه، ويوم النحر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، ولما في صومهما من الإعراض عن ضيافة الله في أيام أمر الله الناس بالتمتع فيها بالأكل والشرب ونحوهما.
وأما الصلاة بعد العصر وبعد الصبح فقد خصها الشافعي بالنافلة التي لا سبب لها، وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التنفل مطلقا بعد هذين الوقتين، وعلة النهي البعد عن التشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس في هذين الوقتين تعظيما لطلوعها وغروبها.
أما قوله "لا تشد الرحال" إلا في آخره فلا ينبغي أن تقدر المستثنى منه خاصا، فيقدر مثلا لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلى هذه الثلاثة، وهذا تقدير إمام الحرمين وغيره من الشافعية ليجيزوا شد الرحال إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك، وقال الجويني: يحرم شد الرحال إلى غير هذه الثلاثة، عملا بظاهر هذا الحديث، وقد وقعت في هذا الموضوع مناظرات كثيرة، وصنف فيها وسائل من الطرفين، وقد ألزم فيها الشيخ تقي الدين ابن تيمية بتحريم شد الرحال إلى زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم: فمن منع شد الرحال إلى زيارة القبر الشريف وغيره