بها عن الحلقة استحيا من نفسه، واستحيا أن يعاب من صاحبه ومن الصحابة الجالسين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاد فجلس خلف الحلقة، حيث لم يجد فرجة كما وجد الأول، وأما الثالث فلم يتردد في الانصراف إلى مصلحته، والإعراض عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفر الثلاثة، ورآهم الجالسون في الحلقة، وثارت في نفوسهم تساؤلات عن حكم الشريعة فيهم فلما انتهى صلى الله عليه وسلم من عظته قال: أخبركم عن النفر الثلاثة الذين رأيتموهم؟ أما الأول فقد لجأ إلى الله، وإلى العلم، فاحتضنه الله برعايته ورضوانه، وأما الثاني فقد غلبه الحياء، فنال رحمة الله وعفوه، وأما الثالث فاستغنى فاستغنى الله عنه، ومن يستغن الله عنه فقد حرم الخير كله، وكان من المغضوب عليهم والآثمين المطرودين.
-[المباحث العربية]-
(بينما هو جالس) يعظ الناس ويعلمهم، و"بينما" أصله "بين" ظرف زمان زيدت عليه "ما" وقد تزداد الألف، فيقال "بينا" وهو ملازم للإضافة إلى جملة ويحتاج إلى جواب هو العامل فيه، إذا لم يكن في الجملة لفظ المفاجأة فإن وجد فالعامل معنى المفاجأة.
(والناس معه) الجملة في محل نصب حال من الضمير في "جالس".
(إذ أقبل ثلاثة نفر) "إذ" فجائية، ومعناها هو عامل النصب في "بين" والتقدير فاجأه ثلاثة نفر بين هو جالس، أي وقت جلوسه، والنفر بفتح النون والفاء اسم جمع، لهذا وقع تمييزا لجمع، ويطلق على جماعة من الرجال ليس فيهم امرأة، ويقع على العدد من ثلاثة إلى عشرة، والإضافة بيانية، إضافة تمييز مبين، أي ثلاثة هم نفر. وكان إقبالهم من باب المسجد مارين بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان للمسجد بابان متقابلان يمر به المارة ويطرقونه كالشارع.
(فأقبل اثنان إلى النبي صلى الله عليه وسلم) هذا إقبال آخر غير الأول، والمقصود منه هنا توجههما إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي حديث أنس "فإذا ثلاثة نفر