لأنهم الذين يستطيعون الإقامة في المدينة، ويصبرون على جوها وبعض أمراضها، ومن هاجر إليها لا يجوز أن يخرج منها، ويعود إلى وطنه، من هنا كان الأعراب سكان البوادي ليسوا من أهل الهجرة.

وشاء الله أن يضع هذه القيود حماية للمدينة نفسها من أن تضيق بأهلها وحفاظا على نمط الحياة ومسالكها ليبقى الراعي حول غنمه، وصاحب الإبل في البادية حول أعطانها، وصاحب الزرع بجوار زرعه إلخ.

أمام هذا كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي جاء يرغب في الهجرة إلى المدينة. ويحك يا أعرابي، لا تستطيعها وقد تعودت الصحراء والبادية، وإن شأنها وأحكامها شديدة، ومطالبها قاسية، ما ترجع من معركة إلا وتستعد لأخرى، وأنت رجل ضعيف، وسكت العرابي حزينا آسفا أن حرم هذا الفضل، لكن الرسول الرحيم فتح له باب فضل وباب أجر، باب جهاد آخر لتحصيل الرزق الحلال، قال له: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: هل تؤدي حق الله فيها؟ قال: نعم. قال: فاعمل عليها، واسع على الرزق في أي مكان، قريبا كنت من المدينة أو بعيدا، حتى ولو كان بينك وبينها بحار، فإن الله لن ينقصك من أجر عملك هذا شيئا. فلئن حرمت جهاد السيف في المدينة فأمامك جهاد السعي الحلال، واقتنع الرجل ورضي، وآمن بذلك من سمع من الصحابة، حتى أثر عن أبي هريرة قوله: لأن أموت بين شعبتي رحل أبتغي من فضل الله الرزق خير من أن أموت مجاهدا في سبيل الله.

-[المباحث العربية]-

(أن أعرابيا) نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا يدخلونها إلا لحاجة، والعربي منسوب إلى العرب.

(عن الهجرة) أي بالنسبة له، أي طلب أن يهاجر من مضارب قومه إلى المدينة.

(ويحك) اسم فعل يفيد الرحمة والتوجع والإشفاق، يقال: لمن وقع أو كاد أن يقع في الهلكة التي لا يستحقها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015