وعلى رأس القائلين بالرأي الثاني ابن دقيق العيد، إذ قال: ليس في لفظ الحديث ما يقتضي أولا ولا آخرا، وكأن المقصود به الاحتراز عما إذا وقعت قضاء. اهـ. ونحن نميل إلى رأي ابن بطال، لأن إخراجها عن وقتها محرم ولفظ "أحب" يقتضي المشاركة في الاستحباب، فيكون الاحتراز عن إيقاعها آخر الوقت، يؤيد ما ذهبنا إليه ما أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي بلفظ "الصلاة في أول وقتها" وهذا لا يمنع فضل الصلاة في وقتها، لكن الصلاة في أول وقتها أفضل من الصلاة في آخر وقتها ومن جميع الأعمال.
أما بر الوالدين فالآيات تقتضي الوصية بهما، والأمر بطاعتهما، ولو كانا كافرين، إلا إذا أمرا بالشرك، فتجب معصيتهما في ذلك، عملا بقوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} وقد اختلف العلماء في تقديم حق الأم في البر على الأب، فذهب الجمهور إلى أن للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر، أخذا بالحديث الصحيح "أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله. من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك" وبالحديث الصحيح "إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم بالأقرب فالأقرب".
ونقل بعضهم عن مالك أنهما في البر سواء، أخذا مما روي عنه أنه سأله رجل، قال: طلبني أبي فمنعتني أمي؟ قال: أطع أباك، ولا تعص أمك. قال ابن بطال: هذا يدل على أنه يرى أن برهما سواء، إذ قال الليث حين سئل عن المسألة بعينها: أطع أمك، فإن لها ثلثي البر.
هذا وتقديم الصلاة على البر لأن الصلاة شكر لله، والبر شكر للوالدين, وشكر الله مقدم على شكر الوالدين، موافقة لقوله تعالى {أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير}
وأما تقديم البر على الجهاد فلأن المراد هنا من الجهاد غير فرض