في البناء، وأن يبنى بالحجارة، لما لها من طول البقاء، وحسن المنظر، فجلب للمسجد نوعا مشهورا من الخشب يسمى بالساج، جلبه من بلاد الهند ليسقف المسجد به، وجلب أنواعا جيدة من الحجارة المنقوشة ليبني حوائطه بها، ويقيم بها أعمدته، وجلب القصة والجص ليطلي به البناء بعد تمامه.
وشعر بعض المسلمين أن في هذ التغيير الشكلي للمسجد إسرافا لا داعي له وأن إعادة بنائه بالوضع السابق يذكر الناس بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من الزهد والتقشف، وخشوا أن يفتح هذا العمل باب التنافس في المظاهر في عمارة المساجد. هذه المخاوف دفعت الكثيرين من الصحابة أن يعارضوا فكرة عثمان، وأن ينتقدوها، وأن يحاولوا إثناءه عن تنفيذها وأكثروا الكلام، فروى لهم عثمان رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا مثله في الجنة". ورضي الصحابة وأقروا عثمان، ولم تبق المعارضة طويلا، وتم بناء المسجد بناء كريما. فرضي الله عن عثمان، لحرصه على النهضة المسايرة للشريعة ورضي الله عن الصحابة المعارضين لحرصهم على أهدافها، وجزى الجميع عن الإسلام خير الجزاء.
-[المباحث العربية]-
(عند قول الناس فيه) أي في عثمان، وذلك أن بعضهم أنكر عليه تغييره بناء المسجد، وتكلموا في عثمان يخطئونه ويلومونه.
(حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الكلام مجاز المشارفة، أي حين أراد أن يبني، لأن النقد والإنكار توجه إليه حين خطط للبناء وأعد أدواته وأعلن عزمه قبل أن يبني، ولم يبن عثمان المسجد إنشاء، وإنما وسعه وشيده، فأطلق البناء على التجديد، والمراد من المسجد هنا بعضه، لأن الذي شيد بعضه لا كله، فقد بقيت رحبة واسعة.
(إنكم قد أكثرتم) أي أكثرتم الكلام والإنكار على فعلي.
(من بنى مسجدا) التنكير للشيوع، فيدخل فيه الكبير والصغير، ووقع