آلامه فليعلم أنه إنما يدفع نفسه من ألم صغير إلى ألم كبير ومن ضجر محدود بزمن قصير إلى ضجر غير محدود فمن تردى من جبل أو من شاهق فقتل نفسه نصب الله له يوم القيامة جبلا من نار يكلف الصعود إليه ليهوي منه في نار جهنم خالدا على هذه الحال أبدا ومن شرب سما فقتل نفسه أعد الله له يوم القيامة سما يفوق سم الدنيا في صعوبة مذاقه وشدة تأثيره وإيلامه كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم يكلف أن يتجرعه خالدا على هذه الحال أبدا ومن طعن نفسه بسكين فقتل نفسه أعد الله له سكينا من نار ليطعن بها بطنه كلما فجرها عادت كما كانت خالدا مخلدا على هذه الحال أبدا فليتدبر العاقل ويؤمن بالقضاء والقدر وليثق بأن بعد العسر يسرا وبعد الضيق فرجا ومن يتق الله ويصبر ويجاهد يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا
-[المباحث العربية]-
(من تردى من جبل) أي أسقط نفسه منه
(فقتل نفسه) فائدة ذكرها توقف الجزاء المذكور عليها فإنما هي التي أفادت التعمد إذ التردي يكون عن عمد وعن غير عمد أما إذا تعمد الإلقاء ولم يحدث بذلك قتل فجزاء هذا الأمر إلى الله
(يتردى فيه) أي في الجبل والمراد في مثله والجملة في محل النصب على الحال
(خالدا مخلدا فيها أبدا) حال مقدرة من فاعل يتردى وفي ذكر "مخلدا" بفتح اللام بعد ذكر "خالدا" ما يشعر بالإهانة والتحقير و"أبدا" منصوب على الظرفية
(تحسى سما) أي تجرع سما وأصله من حسوت المرق إذا شربت منه شيئا فشيئا والتعبير بصيغة التفعل للمعالجة والتكلف