وأما الفصل الرابع:
فإن أصل الدعاء هو أن الرجاء يبعث عليه إذا الدعاء طلب، ولا طلب إلا بعد الرجاء فإذا كان الأغلب على قلبه والداعي أنه لا يجاب لم يكن رجاؤه صدقا فلم يخلص الدعاء ولم يتحقق منه الطلب إلا بعد الرجاء. فإذا كان الأغلب على قلبه الداعي أنه لا يجاب لم يكن رجاؤه صدقا فلم يخلص الدعاء ولم يتحقق منه الطلب كما لا يتحقق الباعث عليه، والداعي إنما يجاب تصديقا لرجائه، فإذا لم يصدق رجاءه ولم يستوجب أن يجاب والله أعلم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة) والأشبه أن يكون معناه وأنتم لا تظمون الرد، ولا يكون هو الغالب على قلوبكم لأنه أراد: ادعوه معتقدين أن الإجابة إلى غير ما يسألون واقعة لأن الرد ممكن، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر أن يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه.
وأما الفصل الخامس:
وهو أن يدعوا الله بأسمائه الحسنى ولا يدعوه بما لا يخص بنا وإن كان في نفسه حقا. قال الله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} قيل في تفسيره: الله، والرحمن والرحيم، وهي قراءة في أول آية في القرآن، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا اجتهد في الدعاء قال: (يا حي يا قيوم). وعنه صلى الله عليه وسلم: (يا ذا الجلال والإكرام).
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رجع من سفر فابصر المدينة قال: (اللهم رب السموات وما أقللن، والشياطين وما أضللن، والرياح وما ذرين، أنا نسألك من خير هذه البلدة وخير ما فيها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها).
وكان ينبغي أن يدعي وإن قال: رب السموات ورب العرش. أو قال: ملك يوم الدين. أو قال: له الأولين والآخرين- أو قال: ربنا ورب آبائنا الأولين أو قال: رب محمد وإبراهيم، فإنه كان من أعظم دعاء بني إسرائيل، إله إبراهيم واسحق ويعقوب وكل ذلك حسن.