إلا أعطاه الله إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وأما أن يدخرها له في الآخرة، وأما أن يدفع عنه مثلها). فصح أن الدعاء بما فيه من غير جائز، إذ كان جزاؤه على الله تعالى، وتوقع إجابته والله أعلم.
ويدخل في هذا الباب أن يدعو أحد بالشر على من لا يستحقه أو على بهيمة، يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رجلا في سفره يلعن بعيره، فقال: (من هذا اللاعن بعيره؟ فقال: أنا يا رسول الله. فقال انزل عنه، فإنه لا يصحبنا ملعون) فعاجله بالإنزال عنه وهو في الحاجة إليه قائمة، عقوبة له بلعنه.
ومعنى لا يصحبنا ملعون مدعو عليه باللعن، لأن الذي أدركته اللعنة. ثم قال صلى الله عليه وسلم (لا تدعو على أف=نفسكم ولا على أولادكم ولا على أموالكم، لا تواقعوا من الله عز وجل ساعة عطاء فيستجاب لكم) ومعنى هذا النهي عن أن يدعو الرجل على فنسه أو على ماله بالهلاك، فيعطى ما سأل عقوبة له على دعائه لا إكراما بالإجابة والنهي عن أن يلعن البهيمة فتهلك أو يبيد غيرها، أو أن تقع بيد الأعداء فيقاتلوه عليها، وكل ذلك عقوبة له بدعائه لا إكرام له بالإجابة والله أعلم.
وأما الفصل الثالث:
فتفسيره أن يدعو الله تعالى مريض بالعافية، فينبغي أن يكون غرضه في ذلك أن يبرأ، فيصل ويصوم. أو يدعوه فقير فيسأله ما لا ينبغي أن يكون ذلك ليسقط مؤونته عن المسلمين ويبرأ فيتصدق ويواسي. أو يدعوه فرد فيسأله ولدا. فينبغي أن يكون ذلك ليخرج من صلبه من يوحد الله تعالى ويعبده ويعمل بشريعته. أو يسأله سائل عمرا طويلا فينبغي أن يرغب في ذلك لتكثر طاعاته وحسناته.
فأما طلب المال للتفاخر والتكاثر والإستعانة على قضي الشهوات، وطلب البر والتمكن به مما منع المريض عنه من الأمور التي تبعث عليها الأهواء، وكان ذلك غير جائز، والدعاء به جرأة على الرب عز وجل.