وإن كنت مفتريا على الله فأتوا بمثل ما افتريت، فعجزوا ولم يؤت الله تعالى أحداً منهم مثل الذي أتاه مع حاجتهم إليه لمعارضته وتكذيبه، إن كان كاذباً مفتريا.
وقد شعر بإتيانه ما أتاه وحرمانهم مثله، أنه قد أراد إظهاره عليهم، وقطع حجتهم عنه، إلا ترى أن رجلين لو جاءا قوماً، فذكر كل واحد منهما لهم أنه رسول الله إليهم، فكذبوه، فدعوا الله عز وجل معاً وسألاه آية تدلهم على صدقهما، فوقعت الإجابة لأحدهما، واحد بآية من الآيات التي ليس في قوى البشر الاتيان بمثلها.
وتتابعت العبر على الآخر، لعلم علما لا يلامسه شك، ان الذي اجيبت دعوته صادق، وإن الآخر كاذب، ولم يجز أن يكون كذلك أقل من تقدم بلداً، فأبدان أو رجلان من كانا يدعى كل واحد منهما أن سلطان المسلمين ولاه ذلك البلد واستدعاه أهله، فلا يصدقا فيكتبا إلى السلطان بخبرهما، ويلتمسا منه دلالة على صدقهما فيخص أحدهما بخلع أخيه، ويعرض للآخر بضروب من الجفاء أولا فأولا، فان ذل لو كان لزال الشك في أمر المكرم وعلى أنه الصادق فيما أدعاء من الولاية دون صاحبه.
وكذلك إذا كانت الدعوى من واحد فكذبه قومه، فسأل الله آية فأجابه إليها وأعجزهم عن مثلها، ثم أجرى العادة بأن كل من أصر على التكذيب بعد مجيء الآية عاقبة وعذبه، وجب أن يعلم أن الذي أمده بالآية صادق عليه، وأن المعجزين عن معارضته كاذبون عليه مبطلون فيما ينسبونه إليه من الافتراء على ربه ولو وقع مثل هذا الأهل بلد مع من يدعي أنه واليهم أنفذه سلطان المسلمين إليهم، فارتابوا به، فسأل السلطان آية، فأنفذ إليه حياً وجعله في جواب ما استدعاه من الآية التي تدلهم على صدقه، في أنه ولاه عليهم لعلموا عليه بذلك صدقه، فهكذا فليعلم قوم كل رسول، فسأل الله تعالى أنه يعلم بها قومه صدقة، فأمده لعجزه وأرسله، وقد قرن دعواه الرسالة بمعجزة، فلم يعلم لتميزه واختصاصه بها سوى ما ظهر من دعواه وأنه محق صادق، وبالله التوفيق.
وأيضا فلا خفا على ذوي البصائر والعقول أن مدعي النبوة لو سأل الله آية فاخرسه الله مكانه أو سلبه العقل، لكان ذلك دليلا باهرا على أن الله تعالى اراد بما صنع تكذيبه وهكذا لو ادعى انه نبي، أو أنه صرفه أنه يقدر من ادراك المعقولات ووجوه الاستنباط على ما لا يبلغه، فهم احد سواه فسلبه الله العقل مكانه لعلم من يشاهده ويعرف حاله إن