وأن منها كواكب ثابتة وعددها كذا، منها سيارة وعددها كذا، وإن مقادير أجرامها كذا وكذا، وإن أبعادها كذا وكذا، وإن لكل نجم من النجوم السيارة فلكاً على الانفراد. فإن عقل عاقل منها إذا لم يسمع بشيء ما يقوله أهل العلم بهبة السماء، والكواكب في هذه الأبواب.

ثم أعمل فكره في إدراك عملها، وعلم شيء منها لم يزد منه إلا بعداً، ولم يصل إليه أبداً أبدا، إلا أن يسمع فيه من عالم شيئاً ويستدل أصلا، فعسى أن يتبع بعد الآن، ينبئ خبره ويتدرج منه إلى ما سواه. فدل ذلك على أن الأوائل لم تقل جميع ما قالته في هذه الأبواب بإزائها من قبل أنفسها، وإنما أدركت الأصول حينا، ثم قاست بعقولها عليه غيره. واستنبط بها ما سواه.

وهكذا الأرض لا يمكن أن يعلم ما فيها، فيميز ما يكون قوتا به الأبدان، وما يختص يجبر الكسر كالمومباي، ثم يميز من الأدوية ما يصلح منها لشيء بعينه، وما يصلح منها بخلافه، ومقدار ما ينبغي أن يتداوى به من كل جزء فيصاب نفعه، ويؤمن ضرورة ألا يجبر فإن أغفل عاقل منا لو لم يسمع في هذه الأبواب من أهل العلم بها شيئاً، ثم أراد يهجم عليها بعقله ويدرك منها ما أردكه البصر بمجرد فهمه لما اتسع لذلك ولا قدر عليه.

فدل هذا على أن الأوائل لم تصل إلى معرفة ما عرفت وادراك ما أدركت مما سبق ذكره بمجرد أفها وعقولها، ولكنها وقعت على الأصول بالخبر بما استنبطت بازائها من تلك الأصول ما وجدت فيها إدلالة عليه، ثم أن النبي أخبرها بأوائل هذه لو كان مثلهم في التجلي بفعله، والانفراد برأيه وفهمه لم يكن الاختراع عاجزاً مثلهم.

فصح أن الأخبار لها أنما كان ممن وفقه الله تعالى عليها وأمره بالأداه إلى غيره، فاولئك المخبرون المؤدون عن الله هم الرسل صلوات الله عليهم، ثم إن وجود الكلام للناس يدل على الرسل، وذلك أن الموجود المعروف فيها شاء أن لم يسمع الكلام أصلا لم يتكلم، فإن من ولد أصم لا ينطق أبداً وإنما ينطق من يولد سمعاً فيسمع كلام جنسه وينشأ عليه، فلولا أن بشراً تكلم كان قد علم البيان واستمع الكلام، لكانت حالة حال المولودين من الناس اليوم ولما يكلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015