خلقنا لنعبده، فقد كان ينبغي أن ييسر لنا العبادة التي يريدها ويرضاها لنا، ما هي؟ فإنه وإن كان في عقولنا وجوب الاستجداء له، ولزوم الشكر أياماً على نعمه التي أنعما علينا، فلم يكن فيها أن التذلل والعبودة منا، بما ينبغي أن نكون، على أي وجه ينبغي ان يظهر، فقطعت حجتهم، بأن أمروا ونهوها وشرعت لهم الشرائع، ونهجت لهم المناهج، فعرفوا ما يراد منهم، وزالت الشبهة عنهم.

والآخر: أن الحجة التي قطعت هي أن لا يقولوا أنا كنا ركب سهو وغفلة، وسلط علينا الهوى، ووضعت فينا الشهوات. فلو أمدونا بما إذا سهونا نهينا، وإذا أمال بنا الهوى إلى وجه قومنا لما كانت منا إلا طاعة، ولكن لما خيلنا ونفوسنا، ووكلنا إليها وكانت أموالنا مما ذكرنا، غلبت الأهواء علينا ولم نملك قهرنا، فكانت المعاصي منا لذلك.

والثالث: أن الحجة التي قطعت هي أن لا يقولوا: قد كان في عقولنا حسن الإيمان والصدق والعدل وشكر النعم، وقبح الكفر والكذب والظلم، ولكن لم يكن فيها. إن من ترك الحسن إلى القبيح عذب بالنار خالداً مخلداً فيها، وإن من ترك القبيح إلى الحسن أثيب الجنة خالداً فيها، لأنه إذا كان يدري بالعقل أن الله جل جلاله خلقاً هو الجنة وخلقاً هو النار الفانية. كيف يدرك أن أحدهما معد للعصاة، هو النار الفانية. كيف يدرك أن أحدهما معد للعصاة، والآخر لأهل الطاعة، ولو أنا نعذب على المعاصي وذنوب متناهية عذابا غير متناهي، أو سار بالطاعة المتناهية، وأما غير متناهي لما كان منا إلا الطاعة، ولم يكن منا مجال معصية، فقطع الله تبارك وتعالى هذه الحجج كلها نبعث الرسل وبالله التوفيق.

فصل

ثم إذا تاملنا ما في السماء والأرض من أصناف الخلائق، وجدنا في وقوع ما وقع لنابه من العلم ما يدل على الرسل، كما وجدنا فيها أنفسنا وتصاريف أحوالها ما يدل على الباري جل ثناءه. وذلك أنا نعلم أن الكواكب التي نراها بأبصارنا، لما يمكن الوقوف بالنظر إليها على أن منها بروجاً، وكل برج إنما يتم بكذا وكذا كوكبه منها وانها اثنا عشر، لا أقل منها ولا أكثر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015