فإن ما في القرآن من آيات الأعلام والحجج أكثر ما فيه من آيات الأحكام، فمن قدر على شيء من العلوم التي ذكرناها فالاستفادة عن الأنبياء صلوات الله عليهم، أو عن من استفاد منهم. فأما فضيلة الإبداء لهم، وإذا كان هكذا إن علم كل دين وشريعة فإنما يكون جميعه عند النبي المبعوث بها، ويتفرق في الدين يأخذون عنه فلا يؤخذ عند كل واحد من الناس إلا بعضه. وتمت هذه الأقسام أربعة عشر، فبلغت خصائص النبوة فيما مرجعه إلى العلم ستة وأربعين جزءاً من النبوة، ما واحد منها إلا ويليق به أن يكون قريبا للرؤيا الصالحة التي أخبر النبي صلى الله عله وسلم أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً وامن النبوة، والله أعلم بما أراد رسوله عليه السلام.
فصل
وكلما ذكرنا في الباب الأول من الحاجة إلى معرفة آيات الله الدالة عليه على وحدانيته وقدسه وانفراده ما كان إلا مستبصر بها الجاهل فيؤمن، ويستثيب بها المؤمن فلا يغوي ولا يضل، فهو في هذا الباب مثله، ولا غنى عن دراية أعلام النبوة جملة وتفصيلا، مستبصر بها المنكر معترف، ويستظهر بها المؤمن فلا يزيغ. وليفضل بين النبي والمتنبي، وينزل الأنبياء صلوات الله عليهم منازلهم.
ومما يعرف ما لنبينا صلوات الله عليه من الدلائل الراحمة والأعلام اللائحة التي لم يبق معها لمرتاب مقال، لا لسائل سؤال، وقد أرشد الله تعالى النبوة في القرآن كما أرشد إلى آيات الحدث الدالة على الخالق والخلق، فقال عز اسمه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط {. قال: {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل {. وقال: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى {. فأخبر انه بعث الرسل لقطع حجة العباد. وقيل في ذلك وجوه:
أحدهما: أن الحجة التي قطعت على العباد هي أن يقولوا أن الله جل ثناؤه إن كان