ومنها اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المعاد الذي يصير الناس إليه في الآخرة، ليعلم عظم نعم الله تعالى عليه وعلى الناس به، وإذا كان بعثه إليهم ليدعوهم إلى النعيم الذي أراه بعضة في الجنة ويستنقذهم من النار التي أراه إياها، ويزداد جداً وجهداً الشفقة على الأمة وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فرأيت فيها نبقاً كقلال هجر)، وذكره لعمر رضي الله عنه أنه رأى قصراً من ذهب وسأل عنه فقيل لعمر. ووصفة النار ومن رأى فيها من عمرو ابن يحيى والمرأة المعذبة على حبس الهرة وحبس الطعام عنها حتى ماتت، وغير ذلك.
ومنها تعليمه الرؤيا حتى لم يكن في وقته ولا بعده احد أبصر منه بتأويل الرؤيا. ويقال: أنه لم يكن فيمن خلا أعلم بالتأويل من إبراهيم الخليل صلوات الله عليه. والتأويل وإن كان قد أوتي منه كثير من الناس، فان تأويلهم قد يخطئ وتأويل النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئ والله أعلم.
ومنها تعليم الله عز وجل آدم عليه السلام الأسماء كلها، وذلك أنه كان خلقه ليحدث النسل وليسكنهم الأرض فيعمروها، وعلى أنه يعرض لهم أحوال لا يستغنى بعضهم فيها عن اطلاع غيره على ما هو عنده، ليتعاونوا على اللف التي هم يحتاجون إليها، وتنزاح عليهم بعضهم لبعض، فعلمه البيان وخلق فيه النطق وعلمه الأسماء كلها، فأخذ من أخذ ذلك من ولده عنه، ثم لم يزل يأخذ كل أحد عن غيره، ولم يبتدئ أحد منهم بتعليم كما ابتدأ اله أبو البشر إلا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من قال: الآن حمي الوطيس، وجاء باسم الصلاة والإيمان والإسلام والزكاة والجزية والنفاق.
ويحتمل أن المبعوثين بالشرائع من الأنبياء كان يقع لهم في كلامهم من لغاتهم مثل هذا. فأما الأصل فإنما خص به آدم عليه السلام لأنه كان أبا البشر، ومن فيه نشأت الحاجة، فكذلك على لسنه أزيحت العلة ومنها الهداية إلى وجوه العبادات والديانات والهداية للأحكام ووجوه الحلال، أعني العبادات والأحكام جملة الشريعة التي أرادها الله تعالى بقوله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً {وهي التي تتفاوت على السنة الرسل لما يعرض فيها من النسخ والتبديل.
فأما العبادات فان عظم الغرض في إرسال الرسول إلى الناس دعاهم الله تعالى، ودلالتهم