على ما يستحقه من التذلل له والخشوع والاستكانة والاستشعار للغير واستنفاذ العمر في ذلك دون الركون إلى الجمام والراحة والخفض والدعه.

واما الأحكام فإنها سياسة الله تعالى عبادة، وتدبيره إياهم بما فيه انتظام أمورهم ودفع المكاره والمظالم عنهم. فإن الناس إذا خلوا وأنفسهم لم يهتدوا إلى ما فيه صلاحهم واعتدال الجمهور.

ومنها الهداية إلى تركيب العالم وهيأته وصفاته مادياً، أو يأتي من حواشيه وأقطاره فإن الوقوف على ذلك مفيد في الاعتبار وكثير من الأمور، وعلم ذلك موجود عند أهله والكتب المنسوبة إلى إدريس عليه السلام في هذه الأبواب، والمنسوبة منها إلى الدين، كانوا هذه فورثوا علمه في أيدي الناس بأبيه.

ومنها الهداية إلى مصالح الإيمان، وهي علم الطب الذي حملته حفظ الصحة على الصحيح، ودفع السقم عن السقيمين فإنه لما كان في علم الله تعالى أنه لا يخلص الصحة للناس دائما ولكن يستقيم أوقاتا، وكان خلق في الأرض أشياء إذا استعملوها زالت عوارض الأسقام عنهم، وأشياء إذا تناولوها حلق الأسقام إليهم وقعت لهم الحاجة إلى معرفة المضار والمنافع مما في الأرض على وجهه وحقيقته، واحتاجوا مع ذلك إلى معرفة الإدواء والعلل وأسبابها الجالبة لها وأعراضها التابعة له والدالة عليها، ليستدلوا بمعرفة الأسباب على وجوه التحرز بمعرفة الأعراض على حقائق العلل ثم يتوصلوا بمعرفة الأدوية وطرق استعمالها على دفع ما قد حدث، فتكون للسلامة وتعود الصحة، وإذا كانت الحاجة إلى جميع ما ذكرنا واقعة، وكانت عقول الناس تحسر عن إدراكه لا أخبار مخبر إياهم احتاجوا إلى المخبر عنه، كما أنهم إذا لم يعملوا ما الذي يرضي الله تعالى عنهم.

وما الذي يبيحه أو يكره وقوعه منهم احتاجوا إلى الخير عنه، كما أزيحت هذه العلة لهم بالرسل كذلك أزيحت العلة فيها وصفنا بالرسل، وذلك مذكور في الكتب ولا يمكن للأمر إلا على ما وصفت.

ومنها الهداية إلى الصناعات، قال الله عز وجل: {وعلمناه صنعة لبوس لكم {يعني داود عليه السلام، وقال لنوح عليه السلام:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015