ومنها تيسيره حلال عرض له وجهد أصابه بآيات يجعلها مثلا لفتوح وخيرا مستقبلة، ويريه إياها ليسلوا بها قلبه، ويوقف عليها أصحابه، فيثبتهم بذلك، ويقوى على الصبر عزائمهم، كما روى أنه: كانوا يحفرون الخندق فعنت صخرة لهم أعيتهم، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعول ثلاث ضربات، وظهرت من كل ضربة برقة، فذهبت أولاها اليمن والثانية إلى الشام والثالثة إلى المشرق، وكان أصحابه يتبعونها أبصارهم. فقال لهم: "أن هذه فتوح يفتحها الله تعلى عليكم". فهذا يدخل في التعليم من حيث أنه خبر عن كائن هذه، وقد ظهر فيه صدقه، فالتحق بجملة دلائله وبيناته والله أعلم.

ومنها الزيادة في بصيرته بإنطاق الجماد الذي لم يلحق له منطق في أصله، لتنزاح الخواطر عن قلبه ويستيقن حتى يداني المضطر أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما روي أنه لما استعان له جبريل، لم يكن يمر على حجر ولا مدر إلا ناداه: "السلام عليك يا رسول الله". وإن الجن قالوا له بمكة: "من يشهد أنك رسول الله؟ فقل: تلك السمرة، ثم قال لسمرة منها: من أنا؟ فقالت: رسول الله! ".

فهذه اثنان وثلاثون وجها أحصيها للخصوص الواقع من جهة العلم. وهذه أربعة عشر وجها أحصيها للخصوص الواقع في المعلومات:

منها ما حكاه الله عز وجل عن سليمان عليه السلام من قوله: {يا أيها لناس علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين}، ويحتمل أنه كانت مناطق سيمان بنغمتها وأصواتها فيلهمه الله عز وجل مرادها. وغنما بينا هذا لأن قوله: {علمنا منطق الطير} يدل على أنها كانت لا تفارق عادتها في مناطقته، ولم يبلغنا أنه كان يفارق عادته إذا ناطقها، فكان الأشبه بذلك ما وصفت الله أعلم.

وأما نبينا صلوات الله عليه قد جمع له بين الأمرين فشكى إليه الجمل بحنينه، والعبير برغائه، وعفه عز وجل شكواها، وسأله الذئب بعوائه فأجابه بإيمانه. وأما الطبية فأنها كلمته بكلام الأنس وأخبرته بأنها صديت بالأمس ولها خشف صغير، وسألته أن يأمر بتخليتها لترضع خشفها ثم ترجع. إنما يعرف مثل هذا بالروايات والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015