وقولك (وسيجنبها الأتقى) لَا يجوز أَن تكون الْآيَة خَاصَّة بِأبي الدحداح دون أبي بكر كَيفَ وَالسورَة مَكِّيَّة وَأَبُو الدحداح كَانَت قصَّته بِالْمَدِينَةِ بإتفاق فَإِن قَالَ أحد إِنَّهَا نزلت فِيهِ فَمَعْنَاه أَنه مِمَّن شملته الْآيَة فَإِن كثيرا مَا يَقُول بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ نزلت فِي كَذَا وَيكون المُرَاد أَي دلّت على هَذَا الحكم وتناولته وَمِنْهُم من يَقُول قد تنزل الْآيَة مرَّتَيْنِ بسببين
وَقد ذكر ابْن حزم بِإِسْنَادِهِ عَن عبد الله بن الزبير وَغَيره أَنَّهَا نزلت فِي أبي بكر وَكَذَلِكَ ذكر الثَّعْلَبِيّ وَنَقله عَن عبد الله وَعَن سعيد بن الْمسيب
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ أعتق أَبُو بكر سَبْعَة كلهم يعذب فِي الله بِلَال وعامر بن فهَيْرَة والنهدية وابنتها وزبيرة وَأم عُمَيْس وَأمه بني المؤمل فَأَما زبيرة فَكَانَت رُومِية وَكَانَت لبني عبد الدَّار فَلَمَّا أسلمت عميت فَقَالُوا أعمتها اللات والعزى قَالَت فَهِيَ تكفر بِاللات والعزى فَرد الله بصرها
وَأما بِلَال فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ مدفون فِي الْحِجَارَة فَقَالُوا لَو أَبيت إِلَّا أُوقِيَّة لبعناكه
فَقَالَ أَبُو بكر لَو أَبَيْتُم إِلَّا مائَة أُوقِيَّة لَأَخَذته
قَالَ وَفِيه نزلت (وسيجنبها الأتقى) إِلَى آخر السُّورَة
وَأسلم وَله أَرْبَعُونَ ألفا فأنفقها فِي سَبِيل الله
وَأَيْضًا فَلم يقل أحد إِن أَبَا الدحداح أتقى الْأمة بل الْعشْرَة وَغَيرهم أفضل مِنْهُ فَقَوْل من قَالَ نزلت فِي أبي بكر أصح فَإِنَّهُ أتقى الصَّحَابَة وَأكْرمهمْ عِنْد الله
وَفِي الصَّحِيح مَا نَفَعَنِي مَال مَا نَفَعَنِي مَال أبي بكر وَفِي البُخَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج فِي مرض مَوته فَقعدَ على منبره وَقَالَ إِنَّه لَيْسَ أحد أَمن عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر وَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لأتخذته خَلِيلًا وَلَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل سدوا عني كل خوخة فِي الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر
وَصحح التِّرْمِذِيّ عَن عمر قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا
فَجئْت بِنصْف مَالِي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قلت مثله
وأتى أَبُو بكر بِمَالِه كُله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قَالَ أبقيت لَهُم الله وَرَسُوله
فَقلت لَا أسابقك إِلَى شَيْء أبدا