وَلَده ووالده وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَحزن الصّديق على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال أَن يُؤْذِي يدل على كَمَال محبته وذبه عَنهُ
وَقد أخبر الله عَن يَعْقُوب أَنه قَالَ (إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله)
ثمَّ أَنْتُم تحكون عَن فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا من الْحزن على أَبِيهَا مَا لَا يُوصف وَأَنَّهَا اتَّخذت بَيت الأحزان وتصفونها بِمَا لَا يسوغ
فالجاهل يُرِيد أَن يمدح فيقدح
وَإِن قلت حزن أبي بكر على نَفسه من الْقَتْل دلّ ذَلِك على أَنه مُؤمن وَلم يكن مباطنا لقريش
وَنَبِي الله قَالَ وَإِنَّا بك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ
والحزن مُبَاح وعَلى ذَلِك تدل النُّصُوص
وقلتم قَوْله (لصَاحبه) لَا يدل على إِيمَان وذكرتم (إِذْ يَقُول لصَاحبه وَهُوَ يحاوره)
قُلْنَا لفظ الصاحب عَام وَمِنْه قَوْله (والصاحب بالجنب)
لَكِن آيَة الْغَار بسياقها تدل على صُحْبَة الْمَوَدَّة والموالاة
وَأما قَوْلك (فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ) فلأنهم كَانُوا إنهزموا فَلَو قَالَ (على رَسُوله) وَسكت لما دلّ الْكَلَام على نزُول السكينَة عَلَيْهِم وَأما هُنَا فَلم يحْتَج إِلَى هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ تَابعا مُطيعًا فَهُوَ صَاحبه وَالله مَعَهُمَا فَإِذا حصل للمتبوع هُنَا سكينَة وتأييد بِالْمَلَائِكَةِ كَانَ ذَلِك التَّابِع أَيْضا بِحكم اللَّازِم
وَأَبُو بكر لما نعت بالصحبة الْمُطلقَة الدَّالَّة على كَمَال الْمُلَازمَة ونوه بهَا فِي أَحَق الْأَحْوَال أَن يُفَارق الصاحب فِيهَا مصحوبه وَهُوَ حَال شدَّة الْخَوْف كَانَ هَذَا دَلِيلا بطرِيق الفحوى على أَنه صَاحبه وَقت النَّصْر والتأييد والتمكين وَلِهَذَا لم ينصر الرَّسُول فِي موطن إِلَّا كَانَ أَبُو بكر أعظم المنصورين بعده وَلم يكن أحد من الصحتبة أعظم يَقِينا وثباتا مِنْهُ وَلِهَذَا قيل لَو وزن إيمَانه بِإِيمَان أهل الأَرْض لرجح كَمَا فِي السّنَن عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا فَقَالَ رجل أَنا رَأَيْت كَأَن ميزانا من السَّمَاء نزل فوزنت أَنْت وَأَبُو بكر فرجحت بِهِ ثمَّ وزن أَبُو بكر وَعمر فرجح أَبُو بكر ثمَّ وزن عمر وَعُثْمَان فرجح عمر ثمَّ رفع الْمِيزَان