وَأما آيَة (قل للمخلفين) فقد اسْتدلَّ بهَا على خلَافَة الصّديق الشَّافِعِي والأشعري وَابْن حزم وَاحْتَجُّوا بِأَن الله قَالَ (فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا وَلنْ تقاتلوا معي عدوا إِنَّكُم رَضِيتُمْ بالقعود أول مرّة فاقعدوا مَعَ الخالفين (قَالُوا فَأمر الله نبيه فِي هَؤُلَاءِ بِهَذَا نعلم أَن الدَّاعِي لَهُم إِلَى الْقِتَال لَيْسَ هُوَ فَوَجَبَ أَن يكون من بعده وَلَيْسَ إِلَّا أَبَا بكر أَو عمر دعوا إِلَى قتال فَارس وَالروم وَغَيرهم أَو يسلمُونَ
وَهَؤُلَاء جعلُوا الْمَذْكُورين فِي الْفَتْح هم المخاطبين فِي بَرَاءَة وَمن هُنَا صَار فِي الْحجَّة نظر وَالْفَتْح نزلت فِي قصَّة الْحُدَيْبِيَة بإتفاق
وَبحث هُنَا شَيخنَا وَطول ودقق إِلَى أَن قَالَ فِي الْآيَة إِنَّهَا لَا تتَنَاوَل الْقِتَال مَعَ عَليّ قطعا لِأَن الله قَالَ (تقاتلونهم أَو يسلمُونَ) وَالَّذين حاربهم عَليّ كَانُوا مُسلمين بِنَصّ الْقُرْآن قَالَ الله (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) الْآيَة فوصفهم بِالْإِيمَان مَعَ الإقتتال وَالْبَغي وَأخْبر أَنهم إخْوَة
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحسن وسيصلح الله بِهِ بَين فئتين من الْمُسلمين فَجرى كَذَلِك وَدلّ عَلَيْهِ أَن مَا فعله السَّيِّد الْحسن كَانَ أرْضى لله من الْقِتَال
وَأما مَا موهت بِهِ هذيانك ونقلك الْكَذِب الَّذِي هُوَ هجيراك وديدنك من أَمر الْعَريش فقولك هرب عدَّة مرار فِي غَزَوَاته فغزاة بدر أول مغازي الرَّسُول فَلَا غزا هُوَ وَلَا أَبُو بكر قبلهَا فَمَتَى هرب كلا لم يهرب قطّ
حَتَّى يَوْم أحد مَا انهزم لَا هُوَ وَلَا عمر بل عُثْمَان تولى وَعَفا الله عَنهُ بِالنَّصِّ
وَكَانَ أَبُو بكر أحد من ثَبت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين كَمَا تقدم
وَلَو كَانَ فِي الْجُبْن بِهَذِهِ المثابة لم يَخُصُّهُ الرَّسُول بِأَن يكون مَعَه فِي الْعَريش
بل قَوْله للرسول إِذْ رَآهُ يستغيث بِاللَّه يَا نَبِي الله كَفاك مُنَاشَدَتك رَبك فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك دَال على ثباته وَقُوَّة يقينه
وَكَانَ هُوَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من شهد بَدْرًا مَعَ كَونهمَا لم يقاتلا فَمَا كل من قَاتل أفضل مِمَّن لم يُقَاتل
فَإِن كنت