. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِنْسَانُ لَفْظًا ثُمَّ يَظْهَرُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ بَعْدَ عَامٍ وقَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] لَيْسَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَقُولَ فِي شَيْءٍ إنَّهُ يَفْعَلُهُ غَدًا حَتَّى يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ عَارِيًّا عَنْ الْيَمِينِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِمَا يَفْعَلُهُ إذَا نَسِيَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وَهَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاسْتِغْفَارِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْأَذْكَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَتَى مَا ذَكَرَ بِمَعْنَى أَنَّ مَا يَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ لَا عَلَى مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَّصِلًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ مَعْنَاهَا أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ مَتَى مَا ذَكَرَ بِأَنَّ مَا شَاءَ كَانَ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْإِذْعَانِ عَلَى مَعْنَى الذِّكْرِ وَالِاسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْهُ لَا عَلَى مَعْنَى حَالِ الْيَمِينِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ يُرِيدُ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَامِ يَمْنَعُ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ وَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ انْقِطَاعُ النَّفَسِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ سُعَالٌ أَوْ تَثَاؤُبٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ النَّفَسِ لِلْكَلَامِ لَيْسَ مِمَّا يَقْتَضِي تَمَامُ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَمَامُهُ تَرْكَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى غَالِبًا فَيَكُونُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بَعْدَ الرِّضَا بِانْعِقَادِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَتَمَامِهِ فَأَمَّا إذَا وَصَلَهُ بِكَلَامِهِ فَلَمْ يَرْضَ بِانْعِقَادِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ إلَّا بِمَا وَصَلَهُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالنُّطْقِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَرَاخَى عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالشُّرُوطِ وَخَبَرِ الِابْتِدَاءِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا نُطْقًا فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ لَمْ يَنْعَقِدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ كَالْكَفَّارَةِ وَلَوْ نَوَى أَنَّ عَبْدَهُ حُرٌّ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ.
(فَصْلٌ) :
وَهَذَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى حَلِّ الْيَمِينِ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَسَائِلَ مِنْهُ وَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ الْجُمْلَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَلْفَاظُ الِاسْتِثْنَاءِ ثَلَاثٌ لَفْظَةُ (إنْ) كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا إنْ شَاءَ فُلَانٌ وَلَفْظَةُ (إلَّا أَنْ) كَحَلِفِهِ لَيُسَافِرَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فُلَانٌ فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ لَا تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِيهِمَا دُونَ اللَّفْظِ وَأَمَّا لَفْظَةُ (إلَّا) وَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُكَلِّمُ قُرَشِيًّا إلَّا فُلَانًا وَمَا آكُلُ الْيَوْمَ طَعَامًا إلَّا لَحْمًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا يُجْزِئُ الْحَالِفَ بِالْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ مُحَاشَاةُ امْرَأَتِهِ بِنِيَّتِهِ دُونَ نُطْقٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ (إنْ، وَإِلَّا أَنْ) أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ أَوْ بِإِلَّا أَنْ مُسْتَغْرِقَةٌ لِأَعْيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ وَالْيَمِينُ مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَلَمِ يُبْنَ عَلَى اسْتِغْرَاقِ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْيَمِينِ بَلْ قَدْ يُثْبَتُ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَتْهُ فَجَرَى ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ مَجْرَى التَّخْصِيصِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذَلِكَ حَقٌّ يُطَالَبُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ بِطَلَاقٍ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ يُرِيدُ إنْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِيمَا يَدَّعِيهِ.
فَوَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَنْفَعُهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَنْ أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ يَحِلُّ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ النِّيَّةُ دُونَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ وَمَا قَاسَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَاشَاةِ فِي الْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ.
وَقَدْ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْمُحَاشَاةِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَصْلِ كَمَا وَقَعَ فِي الْفَرْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ ثَابِتٌ لِأَنَّ مَنْ جَوَّزَ لَهُ الْمُحَاشَاةَ فِي الْحَلَالِ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبِلَ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِنِيَّةٍ وَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَحْلِفُ بِهِ لَا يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ فَإِنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ وَالْمُبَاحِ مِنْهَا الْيَمِينُ