(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ يَحْنَثُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُشْرِكٍ حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاَللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْصِيصِ وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ الْحَالِفُ: الطَّلَاقَ عَلَيَّ إنْ فَعَلْت كَذَا لَجَازَ أَنْ يَقُولَ أَرَدْت بِهِ وَاحِدَةً وَذَلِكَ خِلَافُ الِاسْتِيعَابِ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ لَا كَلَّمْت رَجُلًا حُمِلَ عَلَى اسْتِيعَابِهِ وَعُمُومِهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَحَمَلَ الْمَحْلُوفَ بِهِ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الِاسْتِيعَابِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ.
(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يُخْبِرَ بِخَبَرٍ إلَّا فُلَانًا وَيَنْوِي فِي نَفْسِهِ وَفُلَانًا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى يَمِينِهِ بِالطَّلَاقِ بِنِيَّتِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنُّطْقِ لَمَّا دَخَلَ الْيَمِينَ وَعَدَلَ بِاللَّفْظِ الْعَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ جَازَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ بِالنِّيَّةِ فِيمَا الْحُكْمُ فِيهِ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ وَمَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ نَوَى لِأَنَّ لَفْظَ يَمِينِهِ ظَاهِرٌ ثَابِتٌ بِالنِّيَّةِ وَمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ.
(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْلِفَ لَا كَلَّمْت فُلَانًا وَنَوَى شَهْرًا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَنِيَّةَ التَّخْصِيصِ فَحُمِلَ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ نَوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ قَدْ ثَبَتَتْ وَنِيَّتُهُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ.
(فَصْلٌ) :
فَإِذَا قُلْنَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ دُونَ اللَّفْظِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ غَيْرَ مُسْتَحْلِفٍ أَجْزَأَهُ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْلِفًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَجْهَرَ بِهِ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ بِوَثِيقَةِ حَقٍّ أَوْ شَرَطَ فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدِ بَيْعٍ أَوْ مَا يَسْتَحْلِفُهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ لَا تُجْزِئُهُ حَرَكَةُ اللِّسَانِ حَتَّى يُظْهِرَهُ وَيَسْمَعَ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوْلِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا نُطْقًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ فَيَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ نُطْقُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مُتَّصِلًا بِيَمِينِهِ وَيَنْوِي ذَلِكَ مَعَ أَوَّلِ اسْتِثْنَائِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِآخِرِ حَرْفٍ مِنْ يَمِينِهِ بَطَلَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَهُوَ فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ النُّطْقِ بِالرَّاءِ مِنْ الدَّارِ لَمْ يُجْزِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ لَمَّا لَمْ يُشْتَرَطْ تَقْدِيمُهُ عَلَى آخِرِ حَرْفٍ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فِي النِّيَّةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لَا يُؤَثِّرُ وَلَوْ أَثَّرَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ دَاخِلَ الْيَمِينِ لَاسْتَغْنَى عَنْ لَفْظِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ انْعَقَدَتْ بِكَمَالِ النُّطْقِ بِهَا فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا السُّكُوتُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ كَفَرَ بِاَللَّهِ إنْ قَالَ كَذَا أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمَّ خَالَفَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ شِرْكٌ وَلَا خُرُوجٌ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ هَلْ هُوَ عَلَى إسْلَامِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَافِرًا مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ وَأَمَّا مَنْ كَرِهَهُ أَوْ أَبْغَضَهُ أَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ فَلَا يَكُونُ كَافِرًا وَلَكِنَّهُ آثِمٌ فِي يَمِينِهِ تِلْكَ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا يَعُدْ إلَى الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ بِيَمِينِهِ تِلْكَ شَيْءٌ خَالَفَهَا أَوْ وَافَقَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ مَنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَفَرْت بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكْت بِاَللَّهِ أَوْ بَرِئْت مِنْ الْإِسْلَامِ فَهِيَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ حَنِثَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ تَعَالَ أُقَامِرْك فَلْيَتَصَدَّقْ» .
فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَكْفِيرَ حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ مُفَسَّرَةٌ عَرِيَتْ