(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَمَرِ وَالْكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ قَالَ أَعْزِمُ بِاَللَّهِ عَلَيْك فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ وَإِنَّمَا هِيَ رَغْبَةٌ وَتَأْكِيدُ مَسْأَلَةٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَفْظٌ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّأْكِيدِ فَلَمْ يَكُنْ يَمِينًا كَقَوْلِهِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُرِيدُ مَنْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّهَا وَيَمْنَعُ وُقُوعَ الْحِنْثِ بِمُخَالَفَتِهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ قُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِيَ فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إلَّا امْرَأَةً نِصْفَ إنْسَانٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَخَصَّ بِذَلِكَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْتِزَامُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ إيقَاعُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَقُولَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا أَوْقَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَحِلُّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ أَوْ لَا يَسْتَثْنِيَ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ اخْتِصَاصًا بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا يَمِينٌ مَشْرُوعَةٌ مُبَاحَةٌ فَجَعَلَ لِمَنْ حَلَفَ بِهَا مَخْرَجًا مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا جَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا بِالْكَفَّارَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] وَالْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ مَمْنُوعٌ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَمْ يَجْعَلْ مَخْرَجًا بِالْكَفَّارَةِ وَتَحْرِيرُ هَذَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَعْنًى يَحِلُّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي حَلِّ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ كَالْكَفَّارَةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِصِفَةٍ فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَقَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُهُ وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ إنْ رَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إثْرَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ رَدَّهُ إلَى الطَّلَاقِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي يَمِينِهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا أَصْلُهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَلَّقَةٍ بِصِفَةٍ وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا رَجَعَ إلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَلَّ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ وُقُوعَ الْفِعْلِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَعْنَى حَلِّ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ سَهْوًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ أَوْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ تَبَرُّكًا أَوْ تَأْكِيدًا أَوْ سَبَقَ بِذَلِكَ لِسَانُهُ أَوْ قَصَدَ التَّلَفُّظَ بِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينَهُ وَمَتَى حَنِثَ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّهُ قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَهَا بِهِجَاءٍ وَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ عُمَرَ مَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى فَقَالَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا نَوَى بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ يُرِيدُ حَلَّ الْيَمِينِ.
(ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ أَنَّ لِلْحَالِفِ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَتَى مَا ذُكِرَ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] وَهَذَا قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ