[ما لا تجب فيه الكفارة من اليمين]

مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا لَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْيَمِينِ]

(ش) : قَوْلُهُ مَنْ قَالَ وَاَللَّهِ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الْيَمِينَ يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ فَمَنْ نَطَقَ بِالْيَمِينِ عَلَى وَجْهٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ لَزِمَهُ مُتَضَمَّنُهَا وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَلَا فَرْقَ وَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الْيَمِينَ الْتِزَامٌ وَإِيجَابٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَفْعٌ وَحَلٌّ لِلْوُجُوبِ وَمَا طَرِيقُهُ الْإِلْزَامُ أَبْلَغُ مِمَّا طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةُ وَالتَّحْلِيلُ فَجَازَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْيَمِينُ بِالْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا بِاللَّفْظِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ هَذَا اللَّفْظُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَتَقُولُ وَالسَّمِيعِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْبَصِيرِ أَوْ يَحْلِفُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ كَقَوْلِك وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَوْ أَمَانَةِ اللَّهِ أَوْ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَذِمَّتُهُ وَكَفَالَتُهُ فَهَذِهِ كُلُّهَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ فِي إبَاحَةِ الْحَلِفِ بِهَا غَيْرَ الْأَمَانَةِ وَفِي اللُّزُومِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَفَّارَةِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ.

وَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ مَنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ فَهِيَ يَمِينٌ فَإِنْ حَلَفَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي عِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ ذَاتِهِ وَأَمَّا الْعِزَّةُ الَّتِي خَلَقَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] أَنَّهَا الْعِزَّةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ صِفَتِهِ الَّتِي خَلَقَهَا فِي خَلْقِهِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ إنَّمَا هُوَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ حَلَفَ بِصِفَاتِ اللَّهِ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالْمُصْحَفِ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ مُنْكَرَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ هَذَا وَإِنْ صَحَّتْ فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ جِسْمَ الْمُصْحَفِ دُونَ الْمَكْتُوبِ فِيهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ يَمِينُهُ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِالْكِتَابِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ يَمِينٌ وَفِيهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ وَبِالْقُرْآنِ أَوْ بِسُورَةٍ مِنْهُ أَوَبِآيَةٍ مِنْهُ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرَّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ بِالْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يُضِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ فَمَتَى عَلَّقَ الْيَمِينَ عَلَيْهَا فَهِيَ لَازِمَةٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ حَلَفَ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ حَنِثَ وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا كُتُبٌ مُنَزَّلَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَالَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ فَأَمَّا إنْ قَالَ أُقْسِمُ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَا فَعَلْت أَوْ أَحْلِفُ أَوْ أَشْهَدُ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ خِلَافًا لِبَعْضِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِي الْيَمِينِ فَعُلِّقَ بِهِ حُكْمُ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ دُونَ التَّلَفُّظِ بِاسْمِ اللَّهِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا قَالَ أَحْلِفُ وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِيمَا قُلْنَاهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام: 109] وقَوْله تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] .

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا يَمِينٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَلِفَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا تَعَرَّتْ الْيَمِينُ عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ نِيَّةً وَلَفْظًا أَيْ عُرْفًا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِمْ أَشْهَدُ بِالسَّمَاءِ وَالنُّجُومِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015