. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْكَفَّارَةَ فَإِنْ عَلَّقَ يَمِينَهُ عَلَى زَمَانٍ يَفْعَلُ فِيهِ أَوْ مَكَان أَوْ صِفَةٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَلَيْهَا لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِفِعْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ فَاتَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ مِمَّا يَفُوتُ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ذَلِكَ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْقَضِي أَوْ عَلَى بِنَاءٍ مُعَيَّنٍ فَيَنْهَدِمُ وَيَذْهَبُ أَوْ عَلَى صِفَةٍ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ لَيَفْعَلَنَّ ذَلِكَ مَاشِيًا فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ وَقَعَ الْحِنْثُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ يَمِينَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَإِنْ فَعَلَهُ فِي بَقِيَّةٍ مِنْ عُمْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَاتَ بِمَوْتِهِ الْفِعْلُ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى زَمَانٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ يَمِينَهُ وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ يُرِيدُ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ أَهِيَ الَّتِي تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ لِتَحِلَّهَا أَوْ لِتَرْفَعَ مَأْثَمَهَا وَأَمَّا لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَاضِي وَهُوَ مِثْلُ أَنْ يَحْلِفَ فِي رَجُلٍ مُقْبِلٍ أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فِيهِ لَا شَكَّ عِنْدَهُ فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَهَذَا عِنْدَهُ لَغْوُ الْيَمِينِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ تَنْعَقِدُ لِيَفْعَلَ أَوْ لِيَتْرُكَ وَإِنَّمَا هِيَ يَمِينُ تَصْدِيقِ قَوْلِهِ وَتَأْكِيدِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَلَا يَبْقَى لَهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّلَفُّظِ بِهَا حُكْمٌ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ قَبِيحِ ذَلِكَ الْكَفَّارَةِ وَلَا يُبِيحُ فِعْلًا فَتُبِيحُ تَرْكَهُ الْكَفَّارَةُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَيْضًا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى مَاضٍ وَيَمِينُ الْمَاضِي لَا تَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ لَا يَجِبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَفَّارَةٌ أَحَدُهَا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَذَا أَوْ مَا كَانَ كَذَا وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ لَغْوُ الْيَمِينِ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْقِدَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ إمَّا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ ضِدَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا غَمَسَتْ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهَا لِكَوْنِهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْمَاضِي وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْإِثْمِ وَاَلَّتِي تُكَفَّرُ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى إثْمٍ وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْجَوَازِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ يَمِينٌ لَا تَعَلُّقَ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِهَا فَلَا تَعَلُّقَ لِلْكَفَّارَةِ بِهَا، أَصْلُ ذَلِكَ يَمِينُ اللَّغْوِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ يَعْتَذِرَ بِهِ إلَى مُعْتَذَرٍ إلَيْهِ أَوْ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مِنْ الْأَيْمَانِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى إثْمٍ وَكَذِبٍ وَهَذَا إذَا اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَلِفِهِ فَأَمَّا قَصْدُ الْإِلْغَازِ بِيَمِينِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لِيُغْرِيَ بِهِ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ فَهُوَ فِيهِ آثِمٌ وَلَا يُكَفِّرُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْعُذْرِ أَوْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ أَخِيك لِمَا بَلَغَهُ عَنْك فَلَا بَأْسَ بِهِ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فَسَوَّى مَالِكٌ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الْعُذْرِ وَبَيْنَ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لِقَطْعِ حَقِّ غَيْرِهِ وَقَالَ إنَّ الْإِثْمَ فِيهِمَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَا كَانَ مِنْ هَذَا فِي مَكْرٍ أَوْ خَدِيعَةٍ فَفِيهِ الْإِثْمُ وَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الْحَالِفِ وَمَا كَانَ فِي حَقٍّ عَلَيْك فَالنِّيَّةُ نِيَّةُ الَّذِي حَلَّفَك وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فَيَجِيءُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِثْمَ الَّذِي فِي مَوْضِعِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ لَا يُبْلِغُ الْيَمِينَ إلَى الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَانِثٍ وَلَا حَالِفٍ عَلَى بَاطِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ آثِمٌ فِي الْمَكْرِ بِأَخِيهِ وَتَطْيِيبِ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَكْرِ بِهِ وَالْخَدِيعَةِ لَهُ وَأَنَّ الْإِثْمَ فِي قَطْعِ الْحَقِّ لَمَّا كَانَتْ عَلَى نِيَّةِ مَنْ حَلَّفَك بَلَغَتْ الْيَمِينُ إلَى الْحِنْثِ وَالْغَمُوسِ.