(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّا يُوجَدُ مِنْ لُحُومِ الصَّيْدِ عَلَى الطَّرِيقِ هَلْ يَبْتَاعُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ أَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ بِهِ الْحَاجُّ وَمِنْ أَجْلِهِمْ صِيدَ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ وَأَنْهَى عَنْهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ رَجُلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُحْرِمِينَ فَوَجَدَهُ مُحْرِمٌ فَابْتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْعِلْمِ فَلَمَّا أَخْبَرُوا بِأَنَّهُ كَعْبٌ قَالَ قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا تَنْوِيهًا بِهِ لِإِصَابَتِهِ فِي الْفَتْوَى وَتَقْدِيمًا لَهُ، وَهَذَا التَّأْمِيرُ يَقْتَضِي صَلَاتَهُ بِهِمْ وَحُكْمَهُ عَلَيْهِمْ وَرُجُوعَهُمْ إلَى رَأْيِهِ وَتَصَرُّفَهُمْ بِأَمْرِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ وَهُوَ الْقَطِيعُ مِنْهُ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ وَيَأْكُلُوهُ وَرَأَى لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادَهُ لِمَا اعْتَقَدَ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ مِنْ حَجِّهِمْ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عُمَرُ وَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا أَفْتَيْتَهُمْ بِهِ فَاحْتَجَّ عَلَيْهِ كَعْبٌ بِأَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ صَيْدَ الْبَحْرِ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَصْحِيحِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيَكَ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ؟ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ كَعْبٍ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَلَا نَصٌّ يَصِحُّ لَهُ طَرِيقُهُ إلَى نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لَجَأَ إلَى أَنْ أَقْسَمَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ كُلَّ عَامٍ وَأَرَاهُ أَسْنَدَ فِي ذَلِكَ إلَى مَا وُجِدَ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا لَا نَعْرِفُ صِحَّتَهُ وَلَا نَتَعَلَّقُ بِهِ فِي حُكْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ التَّحْرِيفُ وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّ مَا يُنْقَلُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْكُتُبِ هُوَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَلَزِمَنَا الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْجَرَادَ مِمَّا بَقِيَ مِنْ طِينَةِ آدَمَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ آدَمَ إلَّا الْجَرَادُ بَقِيَ مِنْ طِينِهِ شَيْءٌ فَخَلَقَ مِنْهُ الْجَرَادَ وَهَذَا أَيْضًا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِخَبَرِ نَبِيٍّ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُ الْجَرَادِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] وَإِنَّمَا يُعْلَمُ صَيْدُ الْبَرِّ مِنْ غَيْرِهِ بِمَا يَأْوِي إلَيْهِ وَيَعِيشُ فِيهِ وَالْجَرَادُ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَرِّ وَفِيهِ حَيَاتُهُ وَمَكَانُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ.
(فَصْلٌ) :
وَإِنَّمَا أَقَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَعْبَ الْأَحْبَارِ عَلَى قَسْمِهِ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ نَثْرَةُ حُوتٍ إمَّا لِرَأْيٍ رَآهُ أَوْجَبَ تَوَقُّفَهُ عَنْ زَجْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ قَدْ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفُتْيَا وَحَكَمَ مَعَ عُمَرَ عَلَى مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً بِسَوْطٍ فَحَكَمَ فِيهَا كَعْبٌ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنَّكَ لَكَثِيرُ الدَّرَاهِمِ لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ فَتَجَاوَزَ حَدَّ الْمَنْعَ لِاصْطِيَادِهِ إلَى أَنْ حَكَمَ فِي جَرَادَةٍ بِدِرْهَمٍ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ إذَا وَجَدَهُ الْمُحْرِمُ يُبْتَاعُ أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ صَارَ إلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُصَادَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ أَوْ مِنْ أَجْلِ مُحَلٍّ فَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحَلٍّ فَلَا خِلَافَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي جَوَازِ أَكْلِهِ كُلِّهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُصَادَ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ صِيدَ وَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَإِنَّ أَشْهَبَ وَابْنَ الْقَاسِمِ رَوَيَا عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلُوهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَهُ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ إنَّمَا صِيدَ لَهُ وَهُوَ حَلَالٌ، وَالصَّيْدُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَادَهُ هُوَ وَذَبَحَهُ لِيَأْكُلَهُ حَالَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ لَجَازَ لَهُ أَكْلُهُ فَلَا يَكُونُ صَيْدُ غَيْرِهِ لَهُ بِأَشَدَّ مِنْ صَيْدِهِ هُوَ وَمُبَاشَرَتِهِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ صِيدَ لَهُ، وَالصَّائِدُ يَقْصِدُ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُهُ إلَّا مُحْرِمًا فَكَأَنَّهُ صَادَهُ لِمُحْرِمٍ وَاَلَّذِي يَصِيدُ لِنَفْسِهِ يَصِيدُ لِيَأْكُلَهُ حَلَالًا، وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) فَإِنْ صِيدَ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ مِنْ أَجْلِهِمْ وَكَانُوا مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صِيدَ لِلْمُحْرِمِينَ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهَذَا قَالَ