(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَحْرَمَ وَعِنْدَهُ صَيْدٌ قَدْ اصْطَادَهُ أَوْ ابْتَاعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِمَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ مِنْ الْمُحْرِمِينَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الِاصْطِيَادُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَظْهَرَ مِنْ الْآيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُمْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الِاصْطِيَادِ، ثُمَّ أَضَافَهُ إلَى الْبَرِّ فِي قَوْلِهِ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَرُّ هُوَ الصَّيْدُ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ وَهُوَ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ أَوْ صَيْدُ وَحْشِ الْبَرِّ، وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ يُغْنِي عَنْ هَذَا الْإِضْمَارِ وَلَا يَجُوزُ ادِّعَاؤُهُ مَعَ اسْتِغْنَاءِ الْكَلَامِ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلِ وُجُوبٍ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ أَكْلَ لَحْمِ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] إلَى قَوْله تَعَالَى {حُرُمًا} [المائدة: 96] فَاحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ صَيْدِ الْبَرِّ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَيْنُ الصَّيْدِ وَلَوْ تَأَوَّلَ فِيهَا الْمَنْعَ مِنْ الِاصْطِيَادِ لَمَا احْتَجَّ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ مَعَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فَسَّرَ الْآيَةَ بِهِ هُوَ مَعْنَاهَا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ مَنْ مَلَكَ صَيْدًا قَبْلَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ يَكُونَ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَيْسَ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي أَهْلِهِ يُرِيدُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ يُرِيدُ أَنَّهُ فِي مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَهُ فِي وَقْتِ إحْرَامِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِثْلُ قَوْلِنَا.

وَالْآخَرُ: أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاصْطِيَادِ فَلَمْ تَمْنَعْ اسْتِدَامَتَهُ كَحُرْمَةِ الْحَرَمِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ نَفَرَ لَمَا جَازَ لَهُ إمْسَاكُهُ وَلَوَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي مَبْسُوطِهِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنْهُ فِي إحْرَامِهِ وَهَذَا أَصْلٌ قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ وَهَلْ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ أَمْ لَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ بِإِحْرَامِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ بِالْوَحْشِ وَلَحِقَ بِهَا زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا الْقَوْلُ فَائِدَتُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ حَتَّى يَلْحَقَ بِالْوَحْشِ وَيَمْتَنِعَ بِمِثْلِ امْتِنَاعِهَا وَمَنْ صَادَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أُخْرِجَ عَنْ يَدِهِ وَمِلْكِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ الْمُحْرِمُ فَجَاءَ مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَرَوَى أَشْهَبُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ ضَمَانُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ إذَا قُلْنَا: إنَّ مِلْكَ الْمُحْرِمِ يَزُولُ عَنْهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ لَا ضَمَانَ عَلَى مُرْسِلِهِ وَعَلَى قَوْلِنَا الْآخَرِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَالضَّمَانُ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ يَدِهِ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ إرْسَالُهُ فَإِذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ صَادَهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَجَاءَ مَنْ أَرْسَلَهُ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ مِلْكَ الْمُحْرِمِ بَاقٍ عَلَى الصَّيْدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ فَعَادَ إلَى بَيْتِهِ لَكَانَ عَلَى مِلْكِهِ، وَيَدُهُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ فَإِذَا أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ وَأَزَالَ يَدَهُ عَمَّا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَعَرَّضَ الصَّيْدَ لِلْهَلَاكِ وَاصْطِيَادِ الْحَلَالِ.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ فَأَمْسَكَهُ حَتَّى حَلَّ فَعَلَيْهِ إرْسَالُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ إحْرَامِهِ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ إذَا حَلَّ وَهُوَ عِنْدَهُ فَإِنَّ لَهُ إمْسَاكَهُ وَاَلَّذِي رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَطَاءٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015