(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا أُنَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي حِينِ فَتْوَاهُ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ شَاكًّا وَلَوْ شَكَّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِفَتْوَاهُ لَمَنَعَهُمْ مِنْ التَّقْلِيدِ لَهُ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ أَرَادَ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا أَفْتَاهُمْ بِهِ وَيَعْلَمَ صِحَّتَهُ فَسَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ حِينَ قَدِمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَخْبَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِسُؤَالِهِمْ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَجَابَ بِهِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَعْلَمَ مَا أَجَابَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَفْتَاهُمْ بِغَيْرِ مَا يَجِبُ فَيَتَكَلَّفُ الْمَشَقَّةَ فِي إعْلَامِهِمْ أَنَّ مَا أَتَاهُمْ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَبُو هُرَيْرَةُ بِأَنَّهُ أَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ لَهُ لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ بِكَ يَتَوَعَّدُهُ وَذَلِكَ مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - احْتِيَاطٌ لِلدِّينِ وَاهْتِمَامٌ بِأَمْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَنْهَمِلَ النَّاسُ فِي الْفَتْوَى وَلَا يُفْتُوا النَّاسَ وَمَنْ سَأَلَهُمْ إلَّا بَعْدَ التَّثَبُّتِ وَالتَّيَقُّنِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَكَّ بَعْدَ أَنْ أَفْتَاهُمْ فَأَشْفَقَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَفْتَاهُمْ قَبْلَ إمْعَانِ النَّظَرِ فَبَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِمَا تَوَعَّدَهُ عَلَى التَّحَرُّزِ بَعْدَ هَذَا فِي فَتْوَاهُ وَالْإِمْسَاكِ عَمَّا يَرْتَابُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَبِينَ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِ قَوْمٌ مُحْرِمُونَ بِالرَّبَذَةِ فَاسْتَفْتَوْهُ فِي لَحْمِ صَيْدٍ وَجَدُوا أُنَاسًا أَحِلَّةً يَأْكُلُونَهُ فَأَفْتَاهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: بِمَ أَفْتَيْتَهُمْ قَالَ فَقُلْتُ: أَفْتَيْتُهُمْ بِأَكْلِهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْ أَفْتَيْتَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَأَوْجَعْتُكَ) .

(ش) : الْكَلَامُ عَلَى مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ لَأَوْجَعْتُكَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِمَا تَوَعَّدَهُ بِهِ وَإِعْلَامٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ نَوَى تَأْدِيبَ مَنْ يَتَسَامَحُ فِي فَتْوَاهُ وَيُفْتِي قَبْلَ أَنْ يَتَحَقَّقَ؛ لِأَنَّهُ شَدِيدُ الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ فِي تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَعَلَّ عُمَرَ قَدْ شَاهَدَ فِي ذَلِكَ فِعْلًا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ كَأَمْرِهِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقْسِمُ حِمَارَ الْوَحْشِ عَلَى الرِّفَاقِ أَوْ إبَاحَتَهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا بَقِيَ مِنْ صَيْدِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَكْلَهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَعَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَهُ بَعْضُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَلَا حُكْمُهُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَأَرَادَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُبَالَغَةَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ فِيهِ ص (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فِي رَكْبٍ مُحْرِمِينَ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ قَالَ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا؟ قَالُوا كَعْبٌ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أَمَّرْتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا ثُمَّ لَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ مَرَّتْ بِهِمْ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَيَأْكُلُوهُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ أَنْ تُفْتِيَهُمْ بِهَذَا؟ قَالَ هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ قَالَ: وَمَا يَدْرِيكَ؟ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنْ هِيَ إلَّا نَثْرَةُ حُوتٍ يَنْثُرُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ) .

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فِي رَكْبٍ مُحْرِمِينَ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَقْبَلُوا مِنْ الشَّامِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا أَقْبَلُوا مِنْ الشَّامِ وَأَحْرَمُوا بَعْدَ انْفِصَالِهِمْ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَوْ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا وَمِيقَاتُهُمْ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَظَاهِرُ الْحَالِ خِلَافُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَأَفْتَاهُمْ كَعْبٌ بِأَكْلِهِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ وَجَدُوا صَيْدًا قَدْ اصْطَادَهُ حَلَالٌ وَذَكَّاهُ فَصَارَ لَهُ حُكْمُ اللَّحْمِ لَا حُكْمُ الصَّيْدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ وَجَدُوا لَحْمَ صَيْدٍ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ ذَكَرُوا لَهُ مَا أُفْتُوا بِهِ مِنْ إبَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَهْتَبِلُ بِأَمْرِ النَّاسِ وَأَمْرِ دِينِهِمْ، وَيَسْأَلُ عَمَّا جَرَى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي طَرِيقِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَلَمَّا كَانَ يُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ يُبْدَأُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَا جَرَى مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ بِفَتْوَى بَعْضِهِمْ سَأَلَهُمْ مَنْ الْمُفْتِي لَهُمْ بِذَلِكَ لِيَعْرِفَ لَهُ فَضْلَهُ وَمَكَانَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015