(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ الْغُرْمُ يَلْزَمُ السَّيِّدَ دُونَ الْعَبْدِ؛ وَلِذَلِكَ يُقَالُ يَلْزَمُك عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ مِنْ دَوَابِّك دِرْهَمٌ وَعَلَى كُلِّ نَاقَةٍ مِنْ إبِلِك بِحَارِسِهَا دِرْهَمٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَمْ يُطْلِقْهُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ ذَلِكَ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إشْغَالِهَا بِالشَّرْعِ وَعَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُسْلِمِينَ وَانْتِفَائِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمَّى مَا يُخْرَجُ زَكَاةً وَالزَّكَاةُ إنَّمَا هِيَ تَطْهِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُطَهِّرُهُمْ وَلَا تُزَكِّيهِمْ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِصِفَةِ الْإِسْلَامِ إنَّمَا حَصَلَ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا فِيمَنْ تَجِبُ عَنْهُ؛ وَلِذَلِكَ تَكُونُ طُهْرَةً وَزَكَاةً فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْيِيدَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ فَيَجِبُ أَنْ تُصْرَفَ إلَى جَمِيعِهِمْ وَلَوْ قُلْنَا: إنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِهِمْ دُونَ بَعْضٍ لَكَانَ انْصِرَافُ ذَلِكَ إلَى مَنْ تَجِبُ عَنْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ إلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ قَائِلَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ: إنَّ الصِّفَاتِ وَالتَّقْيِيدَ وَالِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ، وَطَائِفَةٌ تَقُولُ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ: إنَّهَا تَنْصَرِفُ إلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ دُونَ أَقْرَبِهِ، وَجَوَابٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ حُجَّةٌ لَنَا إذَا اُعْتُبِرَ الْإِسْلَامُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيمَنْ يُخْرِجُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ «أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ) .
(ش) : قَوْلُهُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَلْحَقُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمُسْنَدِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَخْبَرَ بِفِعْلٍ مِنْ الشَّرْعِ وَأَضَافَ ذَلِكَ إلَى زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ» فَذَكَرَهُ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْمُضَافُ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَتَبَيَّنُ وَلَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ، وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَكْثُرُ الْمُخْرِجُونَ لَهَا وَالْآخِذُونَ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُمْكِنَ أَنْ يَخْفَى أَمْرُهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّ الْخَبَرَ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالطَّعَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُتَطَعَّمُ، وَلَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَاقِعٌ عَلَى قُوتِ النَّاسِ مِنْ الْبُرِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إخْرَاجَ الْبُرِّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْبُرِّ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا خِلَافٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَكَذَا «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» وَالطَّعَامُ إذَا أُطْلِقَ تَوَجَّهَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إلَى الْبُرِّ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ اذْهَبْ بِنَا إلَى سُوقِ الطَّعَامِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ سُوقُ الْجَزَّارِينَ وَلَا سُوقُ الزَّيْتِ وَلَا سُوقُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إلَّا الْبُرَّ فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّعِيرِ عَلَى حَسْبِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبُرِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الشَّعِيرِ إذَا انْفَرَدَ وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلْقَمْحِ، وَأَمَّا سُوقُ الشَّعِيرِ إذَا انْفَرَدَ فَإِنَّ هَذَا