. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ قَدَّرَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَكَانَ اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ لَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] أَنَّهَا زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ قِيلَ لَهُ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَقَالَ هِيَ مِمَّا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَرَضَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فَهِيَ فَرْضٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْفَرْضِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الْغَنِيِّ فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُخْرِجُ مِنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ دُونَ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ نِصَابُ مَالٍ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ» وَهَذَا عَامٌّ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَقٌّ فِي الْمَالِ لَا يَزْدَادُ بِزِيَادَةٍ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِصَابٍ كَالْكَفَّارَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مِنْ رَمَضَانَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ ابْتِدَاءَ الْفِطْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ فِي أَوَّلِ زَمَنٍ مِنْ شَوَّالٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْفِطْرُ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ الَّذِي يُخَالِفُ حُكْمَ الصَّوْمِ فِيهِ وَأَمَّا الْفِطْرُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِفِطْرٍ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِيَ صَوْمَ مَا بَعْدَهُ.

1 -

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ذِكْرٌ لِمَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَأَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُخْرَجَ مِنْهُ هُوَ صَاعٌ، وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ رِطْلٌ وَثُلُثٌ فَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْمُدُّ رَطْلَانِ وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ نَقْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَّصِلُ رَوَاهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ وَوَرِثَهُ أَبْنَاؤُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ أَنَّ هَذَا الْمُدَّ هُوَ مُدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا احْتَجَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَبِي يُوسُفَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، وَاسْتَدْعَى أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُلٌّ أَتَى بِمُدٍّ زَعَمَ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ أَوْ عَنْ جَارِهِ مَعَ إشَارَةِ الْجُمْهُورِ إلَيْهِ وَاتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ بَلَدًا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ مُدِّهِمْ الَّذِي يَتَعَامَلُونَ بِهِ الْيَوْمَ وَاَلَّذِي تَعَامَلُوا بِهِ مُنْذُ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ وَأَشَارَ إلَيْهِ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَوَقَعَ إلَيْهِمْ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي يُوسُفَ؛ وَلِذَلِكَ رَجَعَ عَنْ مُوَافَقَةِ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ إلَى مُوَافَقَةِ مَالِكٍ لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ هَاهُنَا عَلَى قَوْلِ جَمَاعَةِ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّقْسِيمِ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّخْيِيرِ لَاقْتَضَى أَنْ يُخْرِجَ الشَّعِيرَ مَنْ قُوتُهُ غَيْرَهُ مِنْ التَّمْرِ مَعَ وُجُودِهِ وَلَا يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَتَقْدِيرُهُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ عَلَى هَاهُنَا بِمَعْنَى عَنْ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَالْعَبْدُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ عِنْدَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَحُكِيَ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْ عَبْدِهِ وَإِنَّمَا يُخْرِجُهَا الْعَبْدُ نَفْسُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَعْنَاهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَكِنْ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ السَّيِّدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015