(ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَسْمَعَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَضْرِبُ بِنَاءً يَبِيت فِيهِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبِيتُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، قَوْلُ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» ) .
(ص) : (قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ لَا يَعْتَكِفُ أَحَدٌ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي الْمَنَارِ يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْجُمُعَةُ وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِيهَا إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ يَتَّصِلُ إلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّخَلُّفُ عَنْ الْجُمُعَةِ.
وَالثَّانِي: الْخُرُوجُ عَنْ الِاعْتِكَافِ إلَى الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ يُبْطِلُ اعْتِكَافَهُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْجَهْمِ عَنْ مَالِكٍ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَا يُنْتَقَضُ اعْتِكَافُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اعْتِكَافُهُ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا مَكْرُوهًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِكَافِهِ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْجُمُعَةِ فَيُدْخِلَ فِي اعْتِكَافِهِ نَقْصًا وَاخْتِلَافًا فِي جَوَازِهِ وَمَنْ يُدْخِلُ فِيهِ إبْطَالًا.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ كَانَ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِلُ إلَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] قَالَ فَعَمَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِقَوْلِهِ بِالْعُمُومِ وَتَعَلَّقَ بِهِ.
1 -
(فَرْعٌ) فَإِنْ نَوَى اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَا تُدْرِكُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ فَمَرِضَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى إكْمَالِ اعْتِكَافِهِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فَذَهَبَ مَالِكٌ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَيَبْطُلَ اعْتِكَافُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ إلَى الْجُمُعَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي اعْتِكَافٍ يَأْتِي عَلَى وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ أَمْرٌ طَرَأَ عَلَيْهِ خُرُوجٌ لِعِبَادَةٍ يَلْزَمُ الْخُرُوجُ إلَيْهَا فَلَمْ يَبْطُلْ بِذَلِكَ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَبِيتُ الْمُعْتَكِفُ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَعْتَكِفُ فِيهِ وَبِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِكَافُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَضْطَرِبَ خِبَاءً فِي رَحْبَةٍ مِنْ رِحَابِ الْمَسْجِدِ يَبِيتُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَصَحَّ اعْتِكَافُهُ وَأَمَّا أَنْ يَتَّخِذَ مَبِيتًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْمُعْتَكَفِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ اللُّزُومَ وَالتَّتَابُعَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اعْتَكَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ» مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ اللُّزُومَ وَالْمُوَاصَلَةَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ لِلنَّوْمِ لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَسْجِدِهِ وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَانِ مُعْتَكَفِهِ إلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَإِلَى مَا يَكُونُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خِبَاؤُهُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ صَحْنَ الْمَسْجِدِ دَاخِلَهُ وَأَمَّا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَعْتَكِفُ الْمُعْتَكِفُ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَ الْمَسْجِدِ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلِذَلِكَ لَا تُؤَدَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤَدَّى خَارِجَ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ لِبُعْدِهِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِيهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا فِي الْمَنَارِ يَعْنِي الصَّوْمَعَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَنَارِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْمًا يَخْتَصُّ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُتَّخَذٌ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا اُتُّخِذَ لِلْإِعْلَامِ بِالصَّلَاةِ فَلَمْ يَجُزْ