(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَتَهُ وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِحَاجَةِ أَحَدٍ لَكَانَ أَحَقُّ مَا يَخْرُجُ إلَيْهِ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَاتِّبَاعَهَا) .
(ص) :. (قَالَ مَالِكٌ وَلَا يَكُونُ الْمُعْتَكِفُ مُعْتَكِفًا حَتَّى يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَدُخُولِ الْبُيُوتِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) .
(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) .
(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ وَلَا أَرَاهُ كَرِهَ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا إلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مَسْجِدِهِ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ يَدَعَهَا فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا لَا يُجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ إتْيَانُ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدٍ سِوَاهُ فَإِنِّي لَا أَرَى بَأْسًا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَعَمَّ اللَّهُ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا وَلَمْ يُخَصِّصْ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ فَمِنْ هُنَاكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي لَا يُجْمَعُ فِيهَا الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْرُجُ لِحَاجَتِهَا فَتَمُرُّ بِأَهْلِ الْمَرِيضِ أَوْ بِمَوْضِعِهِ فَلَا تَقِفُ لِلسُّؤَالِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تَسْأَلُ عَنْهُ مَاشِيَةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْعِيَادَةِ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَلَا حُضُورُ جِنَازَةٍ وَلَا طَلَبُ دَيْنٍ لَهُ وَلَا اسْتِيفَاءُ حَدٍّ وَجَبَ لَهُ فَإِنْ خَرَجَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِمَا يَقْتَضِيه الِاعْتِكَافُ مِنْ الْمُلَازَمَةِ وَالْمُوَاصَلَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
فَإِنْ خَرَجَ لِاقْتِضَاءِ دَيْنٍ مِنْهُ أَوْ اسْتِيفَاءِ حَدٍّ عَلَيْهِ مُكْرَهًا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِهِ مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ خُرُوجِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ هَذَا مُكْرَهٌ عَلَى الْخُرُوجِ فَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَا يُفْسِدُهُ خُرُوجُهُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَأْتِي الْمُعْتَكِفُ حَاجَةً وَلَا يَخْرُجُ لَهَا وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْحَوَائِجَ الَّتِي تَنْدُرُ وَيُمْكِنُ التَّرْكُ لَهَا كَالْخُرُوجِ لِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ لِطَلَبِ أَمْرٍ فَأَمَّا الْحَوَائِجُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي لَا يَسْتَبِدُّ مِنْهَا فَمِنْهَا مَا لَا يَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ لِلْمُعْتَكِفِ مِنْهَا وَمِنْهَا مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَشِرَاءِ طَعَامٍ لِغِذَائِهِ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا يُعَيِّنُ أَحَدًا أَيْ لَا يُعَيِّنُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ الْمُعْتَادَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ مُسْتَغْنٍ عَنْهَا قَالَ وَلَوْ كَانَ خَارِجًا لِمَعُونَةِ أَحَدٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَدِّ بِهَا لَكَانَ أَحَقُّ مَا يَخْرُجُ إلَيْهِ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَشُهُودَ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ مَأْمُورٌ بِهَا مَعَ مَا شُرِعَ مِنْ التَّشَارُكِ فِيهَا وَالِاحْتِفَالِ بِهَا فَإِذَا كَانَ الْمُعْتَكِفُ مَمْنُوعًا فَإِنْ يُمْنَعَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْلَى وَأَحْرَى.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُعْتَكِفًا إلَّا مَنْ الْتَزَمَ شَرْطَ الِاعْتِكَافِ وَتَرَكَ الْخُرُوجَ لِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا.
(ش) : قَوْلُهُ هَلْ يَدْخُلُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقْفٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ قَضَاءَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفٍ.
وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ بَيْتَهُ تَحْتَ سَقْفٍ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ» ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ وَكُلُّ مَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي اعْتِكَافِهِ أَنْ يَدْخُلَ لَهُ تَحْتَ سَقْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي اعْتِكَافَهُ إلَّا الْخُرُوجُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْكَوْنُ تَحْتَ سَقْفٍ فَلَا يُنَافِيهِ.
(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا اخْتِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ يُرِيدُ يُصَلَّى