(ص) : (وَقَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ الْمُعْتَكِفُ الْمَكَانَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِاعْتِكَافِهِ أَوَّلَ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْمُعْتَكِفُ مُشْتَغِلٌ بِاعْتِكَافِهِ لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِ مِمَّا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ التِّجَارَاتِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَأْمُرَ بِبَيْعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ خَفِيفًا أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ يَكْفِيه إيَّاهُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الِاعْتِكَافُ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً فَمَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَعْمَلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِكَافُ فِيهِ كَالْبَيْتِ الْمُتَّخَذِ فِيهِ لِاخْتِزَانِ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَسُرُجِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآلَةِ.

1 -

(فَرْعٌ) وَهَلْ يُؤَذِّنُ الْمُعْتَكِفُ فِي الْمَنَارِ أَمْ لَا؟ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَنَعَ مِنْهُ مَرَّةً وَأَبَاحَهُ أُخْرَى وَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُمْكِنْ الْخُرُوجُ إلَيْهِ لِحَاجَةٍ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ خَرَجَ لِلْأَكْلِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُرَادُ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَبْطُلْ الِاعْتِكَافُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ كَالطَّهَارَةِ.

(ش) : هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ يُؤْمَرُ الْمُعْتَكِفُ بِأَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَدْ عَزَمَ عَلَى الِاعْتِكَافِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِالِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يَدْخُلَ مُعْتَكَفَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهَا بَقِيَّةٌ لِيَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ اللَّيْلَةِ فِي مُعْتَكَفِهِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَإِنْ دَخَلَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتٌ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ أَجُزْأَهُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ لَيْلَةِ الِاعْتِكَافِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ اللَّيْلَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا بِصَوْمٍ وَلَيْسَ اللَّيْلُ بِزَمَنٍ لِلصَّوْمِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالِاعْتِكَافِ هُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلَةِ، وَإِذَا أَتَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَةِ لَمْ يُبْطِلْهَا الْإِخْلَالُ بِبَعْضِ ثَوَابِهَا وَوَجْهُ مَا قَالَهُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ زَمَنٌ لِلِاعْتِكَافِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ كَالصَّوْمِ.

(فَرْعٌ) فَمَنْ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يَحْتَسِبُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ فِيمَا لَزِمَ نَفْسَهُ مِنْ الِاعْتِكَافِ فَإِنْ كَانَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ اسْتَأْنَفَ بَعْدَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِكَمَالِ لَيَالِيهَا إلَّا أَنَّهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي تَرَكَ بَعْضَ لَيْلَتِهِ مُعْتَكِفٌ فَإِنْ فَعَلَ مَا يَقْطَعُ الِاعْتِكَافَ لَزِمَهُ مَا يَلْزَمُ الْمُعْتَكِفَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ يَحْتَسِبُ بِهِ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَشْتَغِلُ عَنْ اعْتِكَافِهِ بِشَيْءٍ مِنْ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ عَلَى مَعْنَى الْتِزَامِ نَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمُوَاظَبَتِهَا فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا بِالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِأَمْرِ دُنْيَا وَلَا بِغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطْعًا لِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُهُ، وَلِأَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ غَيْرِ مَا عَكَفَ عَلَيْهِ فَبِأَنْ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَ الْمُعْتَكِفُ بِضَيْعَتِهِ وَمَصْلَحَةِ أَهْلِهِ وَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ بِشَيْءٍ لَا يَشْغَلُهُ فِي نَفْسِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي لَيْسَ بِقَطْعٍ لِاعْتِكَافِهِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ اعْتِكَافِهِ الصَّمْتُ، وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهِ اتِّصَالُ أَمْرِهِ بِبَيْعِ مَالِهِ كَمَا لَا يَقْطَعُهُ أَمْرُهُ بِمُنَاوَلَتِهِ الطَّعَامَ وَالْمَاءَ وَالْوُضُوءَ، وَكَذَلِكَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ الَّذِي يَجْلِسُ إلَى جَانِبِهِ وَسُؤَالُهُ عَنْ الْمَرِيضِ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ وَتَعْزِيَتُهُ بِالْمَيِّتِ مَنْ جَلَسَ إلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَمُحَادَثَتُهُ صَدِيقَهُ وَأَهْلَهُ بِمَا خَفَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْقَضِي بِيَسِيرِ الْكَلَامِ فَلَا يَقْطَعُ اعْتِكَافَهُ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ مَا كَثُرَ مِنْ الْكَلَامِ وَاتَّصَلَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015