(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ مَا صَلَاةٌ يُجْلَسُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ سَعِيدٌ هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا فَاتَتْكَ مِنْهَا رَكْعَةٌ قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا تَتَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ» وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا بِكُلِّ وَجْهٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُصَلِّي فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَإِنْ بَسَطَ ثَوْبًا.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ نِفَارَهَا جَنَابَةٌ وَأَنَّ نِفَارَهَا ذَلِكَ يَمْنَعُ إتْمَامَ الصَّلَاةِ فَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا يُصَلَّى فِي مَبَارِكِهَا مَا دَامَتْ فِيهَا وَإِنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا يُصَلَّى فِيهَا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ عَنْهَا إذَا تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا وَيَجِبُ أَنْ تَجْرِي الْبَقَرُ مَجْرَاهَا لِأَنَّ نِفَارَهَا أَيْضًا جَنَابَةٌ وَلَا يُؤْمَنُ قَطْعُهَا لِلصَّلَاةِ بِنِفَارِهَا.
وَقَالَ قَوْمٌ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِزُفُورَتِهَا وَثِقَلِ رَائِحَتِهَا وَالصَّلَاةُ قَدْ سُنَّتْ النَّظَافَةُ لَهَا وَتَطِيبُ الْمَسَاجِدِ بِسَبَبِهَا وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي مَعَاطِنِهَا لِمَا يَتَكَرَّرُ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا فَإِذَا تُيُقِّنَتْ الطَّهَارَةُ جَازَتْ لِمَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إلَى بَعِيرِهِ فَقَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ.
(فَرْعٌ) فَمَنْ صَلَّى فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مَنْ صَلَّى فِيهَا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَ أَبَدًا كَمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصَبْغَ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِسَلَامَتِهَا مِنْ الْعِلَلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِبِلِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَلِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ» وَيَدُلُّ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَبَعْرِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَبْوَالُهَا نَجِسَةٌ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَإِنَّ مَرَابِضَ الْبَقَرِ بِمَثَابَتِهَا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا.
(ش) : قَوْلُ سَعِيدٍ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِبَارِ لِأَصْحَابِهِ وَتَدْرِيبِهِمْ فِي الْمَسَائِلِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ مَا تَرَوْنَ فِي الشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلُ سَعِيدٍ هِيَ الْمَغْرِبُ إذَا فَاتَتْك مِنْهَا رَكْعَةٌ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَجَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا ثُمَّ يَأْتِي هُوَ بِالرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَجْلِسَ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ آخِرُهَا جُلُوسًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَاتَهُ مِنْ الصَّلَاةِ أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ رَكْعَةٌ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ وَمَحَلٌّ لِجُلُوسِهِ لِسَلَامِهِ وَأَمَّا مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أَيْضًا جُلُوسًا كُلُّهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَةَ فَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الثَّانِيَةِ الْجُلُوسَ ثُمَّ يُصَلِّي الثَّالِثَةَ فَيَجْلِسُ فِيهَا لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ.
وَلَيْسَ هَذَا حُكْمَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ لِمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِي الثَّانِيَةِ وَيَقُومُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ الرُّبَاعِيَّةُ جُلُوسًا كُلُّهَا إذَا فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ ثُمَّ أَدْرَكَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ فَاتَتْهُ بَقِيَّةُ الصَّلَاةِ بِرُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُقِيمُ مِنْ صَلَاةِ مُسَافِرٍ رَكْعَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ تَصِيرُ جُلُوسًا كُلُّهَا لِأَنَّهُ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْإِمَامِ وَهِيَ أُولَاهُ ثُمَّ جَلَسَ فِي ثَانِيَةٍ ثُمَّ جَلَسَ فِي ثَالِثَةٍ لِأَنَّ مِنْهَا يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَا يُقَامُ إلَى الْقَضَاءِ إلَّا مِنْ جُلُوسٍ ثُمَّ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ وَقَالَ سَحْنُونَ يَقُومُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَا يَجْلِسُ.