(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا فَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي مَالِ الْجَارِحِ خَاصَّةً قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا فِيمَنْ قُبِلَتْ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ أَنَّ عَقْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا، وَإِنَّمَا عَقْلُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ أَوْ الْجَارِحِ خَاصَّةً إنْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِشَيْءٍ، وَعَلَى ذَلِكَ رَأْيُ أَهْلُ الْفِقْهِ عِنْدَنَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ شَيْئًا، وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَقْلِ فَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُؤَدِّ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) .

ـــــــــــــــــــــــــــــQيُزَادَ عَلَى الدِّيَةِ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَيْنَ قِيمَةِ الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ قِيمَةُ الْإِبِلِ مُثَلَّثَةً مَا لَمْ تَنْقُصْ عَنْ دِيَةِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ الدِّيَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْجَانِي، ثُمَّ تَنْتَقِلُ إلَى الْعَاقِلَةِ مَا بَلَغَ مِنْهَا الثُّلُثَ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ شُيُوخِنَا إنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمَّا مَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ بَعْدَ الْقَتْلِ أَوْ قَبْلَ قِسْمَتِهِمْ الدِّيَةَ أَوْ غَابَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْهَا، وَمَنْ كَانَ صَغِيرًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَكَبِرَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ غَائِبًا فَقَدِمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُ، وَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي التَّحَمُّلَ يَوْمَ الْقِسْمَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ حَتَّى تَبْلُغَ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا يُرِيدُ أَنَّ مَا قَصَرَ عَنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَاقِلَةِ فِي مَعُونَةِ الْجَانِي فِي غُرْمِهِ، وَأَمَّا مَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ فَإِنَّهُ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَحْتَاجُ الْجَانِي إلَى مُوَاسَاةِ الْعَاقِلَةِ فِي غُرْمِهِ، وَمَا كَانَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ عَلَى الْمُوَاسَاةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَالزَّكَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجَانِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّفْرِيطُ، وَيُرَادُ بِمَا يَعُوقُهُ الْعُقُوبَةُ كَانَ حَالُهُ أَشَدَّ مِنْ حَالِ مُخْرِجِ الزَّكَاةِ الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ فَأَفْرَدَ مِنْ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ لَا تَتَمَيَّزُ بِهِ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ مَا بَلَغَ نِصْفَ الْعُشْرِ فَزَائِدًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَلِيلَ الدِّيَةِ وَكَثِيرَهَا، وَلَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِنَا، وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ جَمِيعَ الدِّيَةِ.

وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ تَحْمِلُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا تَحْمِلُ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ، وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَالٌ قَصُرَ عَنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْعَمْدِ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

(فَرْعٌ) وَحَرَّمَهُ مَنْ يَعْتَبِرُ الثُّلُثَ الْمُتَحَمَّلَ دِيَةَ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي فَإِنْ بَلَغَتْ دِيَةُ الْجِنَايَةِ ثُلُثَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ ابْنَ كِنَانَةَ قَالَ لِمَالِكٍ الَّذِي كَانَ يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِدِيَةِ الْمَجْرُوحِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَرَوَاهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ إلَّا ثُلُثَ دِيَةِ رَجُلٍ يَكُونُ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اتَّبَعَهُ دَيْنًا يُرِيدُ أَيًّا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَالِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اتَّبَعَهُ دَيْنًا يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الدِّيَةِ يَخْتَصُّ بِالْجَانِي فَيَلْزَمُهُ فِي خَاصَّتِهِ، وَلَا تُوَاسِيهِ الْعَاقِلَةُ فِي تَحَمُّلِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَشَاءُوا فَفِي خَاصَّةِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يَتْبَعُ بِهِ إنَّ أَيْسَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ لَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَحَدًا أَصَابَ نَفْسَهُ عَمْدًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015