(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَالَ لَهَا إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً دُونَ الثُّلُثِ أَنَّهُ ضَامِنٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ فِي مَالِهِمَا خَاصَّةً إنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَجِنَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قُتِلَ كَانَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ، وَلَا تَحْمِلُ عَاقِلَةُ قَاتِلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ الدِّيَةَ أَوْ أَكْثَرَ فَذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ خَطَأً يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَصَابَ نَفْسَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَإِ فَجِنَايَتُهُ هَدْرٌ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ إنْ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ خَطَأً فَدِيَةُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ تَدْفَعُهَا إلَيْهِ إنْ عَاشَ، وَإِلَى وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهُ هُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ فَلَوْ تَعَلَّقَتْ جِنَايَتُهُ بِأَحَدٍ لَتَعَلَّقَتْ بِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنٌ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لَمْ تَتَحَمَّلْهَا الْعَاقِلَةُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ جِنَايَةَ عَمْدٍ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] قَالَ مَالِكٌ فَتَفْسِيرُ ذَلِكَ فِيمَا نَرَى، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَفْسِيرَهُ الْآيَةَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ مَنْ أُعْطِيَ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ يُرِيدُ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا تَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ فَتَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ عَاقِلَتُهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الدِّيَةُ بِبَذْلِهِ الدِّيَةَ لِيُحْقَنَ بِهَا دَمُهُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ فَقِيلَ مَعْنَى {عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] أَيْ بَذَلَ لَهُ إخْوَةُ الْقَاتِلِ الدِّيَةَ فَيَكُونُ مَعْنَى عُفِيَ لَهُ بُذِلَ لَهُ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَالْأَخُ هُوَ الْقَاتِلُ فَنُدِبَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ إلَى الرِّضَا بِذَلِكَ وَالْمُطَالَبَةِ بِمَا بُذِلَ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِمَعْرُوفٍ، وَيُؤَدِّي الْقَاتِلُ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ كَالزِّنَا، وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا أَنَّ وَلِيَّ الْقَتِيلِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْقَاتِلُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَتَفْسِيرُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فِيمَنْ تَرَكَ لَهُ يُرِيدُ الْقَاتِلَ أَخُوهُ يُرِيدُ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ، يُرِيدُ تَرَكَ قَتْلَهُ فَلَهُ طَلَبُهُ بِالدِّيَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ غَيْرُ بَدَلٍ وَاحِدٍ كَقَتْلِ الْخَطَإِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُمَا دُونَ الثُّلُثِ اخْتَصَّتْ دِيَةُ ذَلِكَ بِأَمْوَالِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ ثَبَتَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِمَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِالْعَاقِلَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ، وَأَمَّا الرَّضِيعُ فَمَا أَتْلَفَ وَجَنَى فَهَدْرٌ، وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ الدِّيَةِ مِنْ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةِ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ أَبُو الصَّبِيِّ بِعَقْلِ جِنَايَةِ الصَّبِيِّ يُرِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِهِ وَذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُثَ فَزَائِدًا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْأَبِ أَحَدُهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا دُونَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا عَلَى الصَّبِيِّ جَمِيعُهُ، وَمَا بَلَغَ الثُّلُثَ فَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ جَمِيعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ مِنْ عَاقِلَتِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فِي الْعَبْدِ يُقْتَلُ فِيهِ الْقِيمَةُ يَوْمَ يُقْتَلُ يُرِيدُ سَوَاءً زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الدِّيَةِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً أَوْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَا يُضْمَنُ جَمِيعُهُ بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ كَالْبَهِيمَةِ