. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَجْهُولٍ وَهُوَ مَا كَاتَبَ عَلَيْهِ، أَوْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إنْ عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ، ثُمَّ وَرَدَتْ الْإِبَاحَةُ بِالْكِتَابَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ظَاهِرُهَا الْإِبَاحَةَ وَهَذَا مَقْصُودُ قَوْلِهِ: وَمَا يَتَحَصَّلُ مِنْهُ وَإِنْ كُنْت قَدْ جَرَيْت إلَى تَبْيِينِهِ وَلَيْسَ عِنْدِي هَذَا بِالْقَوِيِّ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إنَّمَا هُوَ أَنْ يَثْبُتَ حَظْرٌ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّتِهِ بِالْإِبَاحَةِ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّةِ التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَحَرَّمَ الْبَيْعَ بَعْدَ النِّدَاءِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ بَيَّنَ انْقِضَاءَ وَقْتِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] .

وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ لَفْظَ افْعَلْ إذَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَظْرِ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا فِي الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فَبَيَّنَ انْقِضَاءَ مُدَّةِ تَحْرِيمِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِإِيجَابِ قَتْلِهِمْ وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ عَلَى بَابِهَا مِنْ الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يَعْدِلَ عَنْ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] النَّدْبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِبَاحَةُ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ: عَلَى الْحَضِّ وَالنَّدْبِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَفْرِيعِهِ: إنْ كَاتَبُوهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِيتَاءُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شُيُوخِنَا إنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: " فَكَاتِبُوهُمْ " عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْقَاضِيَانِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ ابْتِدَائِي بِالْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَظْرٍ يَتَبَيَّنُ انْقِضَاؤُهُ بِلَفْظَةِ افْعَلْ وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ حُكْمٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ عَامًّا بِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، أَوْ عَنْ الْغَرَرِ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُ قَدْرَ مَا بَقِيَ فَإِنَّمَا هِيَ لَفْظَةُ افْعَلْ وَارِدَةٌ لِلتَّخْصِيصِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَقْتَضِيَ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ لَكِنَّهُمَا قَدْ صَرَّحَا بِحَمْلِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا إِسْحَاقَ لَا يَكَادُ يَتَمَادَى عَلَى تَحْرِيرِ الْقَوْلِ فِيهِ فَيَقُولُ مَرَّةً مَا تَقَدَّمَ وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى هُوَ إذْنٌ وَتَرْغِيبٌ وَالْإِذْنُ غَيْرُ التَّرْغِيبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ خَاصَّةً وَتَعْلِيقَ الْفِعْلِ بِسَبَبِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَالتَّرْغِيبَ بِمَعْنَى الْحَضِّ وَالنَّدْبَ يَقْتَضِي اسْتِدْعَاءَ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْلَاءِ وَقَدْ يَقُولُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ إذْنٌ وَإِبَاحَةٌ هُوَ أَمْرٌ فَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّرْغِيبَ الَّذِي قَدَّمْت ذِكْرَهُ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُسَمِّيَ الْإِبَاحَةَ أَمْرًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الْفَرَجِ يَقُولُ إنَّ الْمُبَاحَ مَأْمُورٌ بِهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ.

وَقَدْ بَيَّنْته فِي أَحْكَامِ الْفُصُولِ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ إلَى عِلْمِ السَّيِّدِ وَهُوَ أَمْرٌ مُغَيَّبٌ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ غَيْرُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِلْحُكَّامِ فِيهِ مَدْخَلًا وَلَوْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ لَقَالَ: فَكَاتِبُوهُمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ فِيهِمْ خَيْرًا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْخَيْرِ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْمَالُ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَيْرَ إذَا ذُكِرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هُوَ الْمَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالُ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: الْخَيْرُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا إنْ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا دِينًا وَأَمَانَةً وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا صِدْقًا وَوَفَاءً.

1 -

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ شُيُوخِنَا الْمَالِكِيِّينَ فَإِنَّهُ قَدْ شَرَطَ فِيهِ الْخَيْرَ وَهُوَ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ وَأَمَّا مَنْ ضَعُفَ عَنْ الْأَدَاءِ كَالصَّغِيرِ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يُكَاتَبَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015