(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَاتَبِهِ لِمَنْ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدِهِ لَمْ يَكُنْ وَلَاءُ أُمِّ وَلَدِهِ لَمَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ وَلَدِهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إنَّ وَلَاءَهَا لَهُمْ.
(فَصْلٌ) :
وَاحْتِجَاجُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ حُمَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ الْمُتَوَكِّلِ تَعَلَّقَ بِالْآثَارِ وَلَعَمْرِي إنَّ الْآثَارَ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَدْ أَوْرَدْنَا الْكَثِيرَ، وَخِلَافُ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا ظَاهِرُهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ.
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ عَبْدَ اللَّهِ يَذْكُرُ أَنَّ عَبَّادًا مَوْلَى الْمُتَوَكِّلِ مَاتَ مُكَاتَبًا قَدْ قَضَى النِّصْفَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا وَابْنَةً لَهُ حُرَّةً كَانَتْ أُمُّهَا حُرَّةً فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يَقْضِيَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَيْنَ ابْنَتِهِ وَمَوَالِيهِ قَالَ لِي عُمَرُ وَمَا أَرَاهُ إلَّا لِابْنَتِهِ.
(ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَلَا آثَرَهُ عَنْ أَحَدٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُفْضِي إلَى الْعِتْقِ غَالِبًا فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ السَّيِّدُ كَالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى إخْرَاجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ بِهِ بِدُونِ الْقِيمَةِ مَعَ السَّلَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ وَلَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا كَالْبَيْعِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي السَّلَفِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنَسًا أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ سِيرِينَ فَأَبَى فَضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ.
وَقَالَ: كَاتِبْهُ فَقَالَ أَنَسٌ: لَا أُكَاتِبُهُ فَتَلَا عُمَرُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَكَاتَبَهُ أَنَسٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اللُّزُومِ وَالْجَبْرِ وَلَوْ كَانَ لِعُمَرَ أَنْ يُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ أَنَسًا لَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَاسْتَغْنَى عَنْ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُوَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا ضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ لَمَّا نَدَبَهُ إلَى الْخَيْرِ وَإِلَى مَا رَآهُ صَلَاحًا لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَأَدَّبَهُ لِامْتِنَاعِهِ وَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ وَالنَّدْبِ إلَيْهِ وَقَدْ أَمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنْ يُبِيحَ لِجَارِهِ إمْرَارَ النَّهْرِ عَلَى أَرْضِهِ.
وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك عَلَى وَجْهِ التَّحَكُّمِ عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ صَلَاحٌ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَعُلِمَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ لَا يُرَاجِعُهُ إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ إكْرَاهُ أَحَدٍ فَمَالِكٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَحْكَامِ عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَسْبُك أَنَّ عَطَاءً الَّذِي انْفَرَدَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا فِي نَفْيِ وُجُوبِ ذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَالْجَبْرِ لِأَنَسٍ لَمْ يَلْزَمْ لِمُخَالَفَةِ النَّاسِ لَهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا قِيلَ لَهُ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10] أَرَادَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوُجُوبِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا وَرَدَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَاجِبًا فَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ وَالْمُبَاحُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَحْتَمِلُهُ هَذِهِ الصِّيغَةُ مِنْ الْمَعَانِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هَذِهِ الصِّيغَةَ إذَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَضِّ وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ بِمُطْلَقِهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَشَارَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ فِي أَحْكَامِهِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ جِنْسَ هَذَا الْعَقْدِ مَحْظُورٌ لِتَعَلُّقِهِ