(ص) : (مَالِكٌ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] إنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْت عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا.
قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ) . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَشْهَبُ إنْ كَاتَبَ تُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِالْأَدَاءِ، أَوْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْهُ فَيُؤَدِّي مِنْهُ وَيَعْتِقُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي لَا صَنْعَةَ لَهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ مَنْ جَازَ انْتِزَاعَ مَالِهِ مَعَ تَمَامِ رِقِّهِ جَازَتْ مُكَاتَبَتُهُ كَالْكَبِيرِ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ صِفَتَهُ صِفَةُ الْعَاجِزِ عَنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ الصَّغِيرِ الْمَنْعُ مِنْ الْكِتَابَةِ فَقَدْ رَوَى الدِّمْيَاطِيُّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ ابْنَ عَشْرَ سِنِينَ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَشْرَ سِنِينَ حَدٌّ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ حَدًّا فِي الضَّرْبِ عَلَى الصَّلَاةِ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَالتَّفْرِيقِ فِي الْمَضَاجِعِ لِقُوَّتِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَمَنْ زَادَ عَلَى الْعَشْرِ سِنِينَ زِيَادَةً بَيِّنَةً يَحْتَمِلُ أَنْ يُجِيزَ أَشْهَبُ كِتَابَتَهُ لِقُوَّتِهِ عَلَى السِّعَايَةِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فَقَدْ أَجَازَ مَالِكٌ كِتَابَتَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ يَسْأَلُ النَّاسَ جَازَتْ كِتَابَتُهُ وَرُوِيَ مَنْعُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ إبَاحَتُهُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ انْتِزَاعُ مَالِهِ مَعَ تَمَامِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ كَاَلَّذِي لَهُ حِرْفَةٌ.
(مَسْأَلَةٌ) وَهَلْ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ رَوَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ لِلسَّيِّدِ إكْرَاهَ عَبْدِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ كَمَا لَهُ أَنْ يَعْتِقَهُ عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَالٍ وَكَمَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهُ وَيُؤَاجِرَهُ وَيَعْتِقَهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُؤَدِّي مَا فَضَلَ عَنْ نَفَقَتِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْهُ لَا يَلْزَمُ الْكِتَابَةُ إلَّا بِرِضَى الْعَبْدِ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ قَالَ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهُ إنْ أَلْزَمَ عَبْدَيْهِ الْكِتَابَةَ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالْمُكَاتَبَةُ إنَّمَا هِيَ عَلَى وَزْنِ مُفَاعَلَةٍ وَذَلِكَ فِعْلُ اثْنَيْنِ فَلَوْ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَى السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ لَأُضِيفَ الْفِعْلُ إلَى السَّيِّدِ خَاصَّةً كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فَخَصَّ بِالْكِتَابَةِ مَنْ دَعَا إلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَمْ يَتِمَّ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ إلَّا بِتِمَامِ الْآخَرِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا رَضَا الْمُتَعَاوِضَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَبِهَذَا تَفَارَقَ تَعْجِيلُ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الْعِتْقُ يَتَعَجَّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.
(ص) : (مَالِكٌ وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] إنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْت عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا.
قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ دِرْهَمٍ) .
(ش) : قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] قَالَ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ هُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ عَنْ مُكَاتَبِهِ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ يَأْمُرُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا جَبْرٍ وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَكَانَتْ مَحْدُودَةً وَرَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِيتَاءَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَعَ الْوَضْعَ وَقَدْ رَغَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ فَمَنْ أَبَى أَنْ يَضَعَ شَيْئًا فَذَلِكَ لَهُ وَقَدْ تَرَكَ الْفَضْلَ وَرُوِيَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْنِ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ حَضَّ اللَّهُ النَّاسَ أَجْمَعِينَ عَلَى أَنْ يُعِينُوهُ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُعْطِيَهُ سَيِّدُهُ مِنْ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ