. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَضُرُّ بِهِمْ وَهُوَ مِنْ الضَّرَرِ الْكَثِيرِ الْمُسْتَدَامِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُنِعَ إحْدَاثُهُ عَلَى مَنْ يَسْتَضِرُّ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا الرَّحَا فَإِنَّ الَّذِي يَنَالُ مِنْهَا الْجِيرَانُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ وَالثَّانِي صَوْتُهَا فَأَمَّا إفْسَادُ الْجُدْرَانِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا يَضُرُّ بِالْجُدْرَانِ يَهْدِمُهَا فَإِنَّهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرَرِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عِنْدِي إنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّوْتِ الصَّغِيرِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ، أَوْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يُسْتَدَامُ، وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا أَوْ يُسْتَدَامُ كَحَوَانِيتِ الْكَمَّادِينَ تُتَّخَذُ عِنْدَ دَارِ الرَّجُلِ، أَوْ حَوَانِيتِ الصَّفَّارِينَ، أَوْ الرَّحَا الَّتِي لَهَا الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ ضَرَرٌ يَصِلُ إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ فَتَعَلَّقَ الْمَنْعُ بِهِ كَضَرَرِ الرَّائِحَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الدَّبَّاغُ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِنَتِنِ دِبَاغِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ يُمْنَعُ مِنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْتِ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّ هَذَا ضَرَرٌ دَائِمٌ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ كَسَائِرِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الضَّرَرِ الْمَمْنُوعِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمِنْ ذَلِكَ الْكَنِيفُ يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فَيَضُرُّ بِجِدَارِ جَارِهِ بِمَا يَدْخُلُ مِنْ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلَلِ فِي مِلْكِ جَارِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَحْدَثَ عَلَى جَارِهِ فَسَادًا فِي مَالِهِ فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْهَدْمِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ كَانَ لَهُ أَنْدَرُ إلَى جَانِبِ جِنَانِ رَجُلٍ يَضُرُّ بِهِ تِبْنُهُ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: إذَا كَانَ الْأَنْدَرُ قَبْلَ بُنْيَانِ الْجَنَّةِ لَمْ يُغَيِّرْ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْبُنْيَانَ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَإِنَّ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ الْأَنْدَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ تِبْنِهِ فِي أَرْضِهِ كَمَا يَمْنَعُ مَاشِيَةً قَدِيمَةً مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَرْضِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهَا مَنْفَعَةٌ اسْتَحَقَّهَا بِالْقِدَمِ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ رَفَعَ جِدَارَهُ فَمَنَعَ جَارَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَمَهَبِّ الرِّيحِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِيَضُرَّ بِجَارِهِ دُونَ مَنْفَعَةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ لَمْ يُوجِبْ إدْخَالَ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَسْتَثْبِتْ مِنْهُ فِي مِلْكِ جَارِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ دَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عَمَلِهِ فِي أَرْضِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَبَطَلَ الْبُنْيَانُ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ يَبْنِي حَائِطًا فِي آخِرِ مِلْكِهِ إلَّا وَلَا بُدَّ أَنْ يَمْنَعَ الشَّمْسَ مِنْ جَارِهِ وَيَمْنَعَ الرِّيحَ وَلَمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْبُنْيَانِ، وَإِنْ مُنِعَ هَذَا فَكَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةٌ أَنْدَرًا لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَطْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّتِي تَقَادَمَ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ بِقُرْبِ الْأَنْدَرِ مَا يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْأَنْدَرِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْبُنْيَانِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَالَهُ سَحْنُونٌ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ لِلْبَانِي أَنْ يَبْنِيَ فَإِنْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ مُنِعَ كَمَا لَوْ مَنَعَ هُبُوبَ الرِّيحِ وَضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ دَارِ جَارِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَنْدَرِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْصِدَ مِنْهَا مَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَسُكْنَى الدَّارِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ اتَّخَذَ كُوًى وَأَبْوَابًا يَشْرُفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ وَعِيَالِهِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ إذَا كَانَ يَنَالُ بِالنَّظَرِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْبُنْيَانِ إذَا كَانَتْ مِنْ كُوًى لَاحِقَةٍ بِالسَّقْفِ، أَوْ مُقَارِبَةٍ لَا يَطَّلِعُ مِنْهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَطَّلِعُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ وَزَادَ لَا يُكَلَّفُ الْأَسْفَلُ أَنْ يُعَلِّي بُنْيَانَهُ حَتَّى لَا يَرَاهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ