[القضاء في المرافق]

(الْقَضَاءُ فِي الْمَرَافِقِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَسْقِيَهَا إنْ كَانَتْ رَوَتْ حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِي هَذَا الْمَاءِ إلَى قَدْرِ مَا نَزَلَ بِهِ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ سَقَى بِذَلِكَ إلَى أَنْ يُصْلِحَ بِئْرَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ مَعَ الضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاَلَّذِي يَتْرُكُ إصْلَاحَ بِئْرِهِ وَاسْتِرْجَاعَ مَائِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ وَذَلِكَ مِثْلُ الَّذِي يَضْطَرُّ إلَى أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ مَا يَشْتَرِيه لَا يُبَاحُ أَنْ يُقِيمَ وَيَأْكُلَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ بِهِ إلَى مَوْضِعِ الْوُجُودِ مَعَ شُرُوعِهِ فِي ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَى صَاحِبِ فَضْلِ الْمَاءِ أَنْ لَا يَمْنَعَهُ فِي الْمُزَنِيَّةِ عَنْ عِيسَى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِجَارِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ عِيسَى أَنَّ هَذَا مِلْكُهُ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ جَارِهِ لِيُصْلِحَ بِهِ كَدَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُمْنَعُ نَقْعُ بِئْرٍ» وَمَعْنَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَضْلُ مَائِهِ.

(فَصْلٌ) :

فَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَهَلْ يَقْضِي لَهُ بِثَمَنِهِ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة رَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ وَذَلِكَ عِنْدِي إذَا أَتَى بِالثَّمَنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ بِلَا ثَمَنٍ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي إثْبَاتِ الثَّمَنِ أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ لِدَفْعِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ كَالشُّفْعَةِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فِي نَفْيِهِ أَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْمَاءِ دُونَ انْتِقَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَا انْتِقَالِهِ إلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالِاسْتِحْقَاقِ وَلِأَنَّهُ فَضْلُ مَا يُقْضَى بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ كَبِئْرِ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنٌ فَلَهُ فَضْلُ مَا يَكُونُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَمَنٌ سَقَيْت لَهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ بَاعَهُ كَانَ جَارُهُ الَّذِي انْقَطَعَ مَاؤُهُ أَوْلَى بِهِ بِالثَّمَنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ انْتِقَالَ الْمِلْكِ مُؤَثِّرٌ فِي أَنْ يَكُونَ مَنْ يَدْفَعُ بِهِ الضَّرُورَةَ أَوْلَى بِهِ كَالشُّفْعَةِ فِي الشِّرْكِ مِنْ الْأَرَضِينَ وَالرِّبَاعِ.

[الْقَضَاءُ فِي الْمَرَافِقِ]

(ش) : قَوْلُهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْكِيدَ فَيَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ وَاحِدًا، وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا الْقَوْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَا ضَرَرَ عَلَى أَحَدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ إضْرَارُهُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخُشَنِيُّ: الضَّرَرُ هُوَ مَا لَكَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ، وَالضِّرَارُ مَا لَيْسَ لَك فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَعَلَى جَارِك فِيهِ مَضَرَّةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الضَّرَرَ مَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ بِهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ الضِّرَارَ مَا قَصَدَ بِهِ الْإِضْرَارَ لِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 107] وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الضَّرَرِ أَنْ يَضُرَّ أَحَدُ الْجَارَيْنِ بِجَارِهِ وَالضِّرَارُ أَنْ يَضُرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْمُفَاعَلَةِ كَالْقِتَالِ وَالضِّرَابِ وَالسِّبَابِ وَالْجِلَادِ وَالزِّحَامِ، وَكَذَلِكَ الضِّرَارُ فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا وَغَيْرُهُ بِالْإِضْرَارِ بِجَارِهِ عَنْ أَنْ يَقْصِدَا ذَلِكَ جَمِيعًا وَلَيْسَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ، أَوْ رَدْعٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ ظُلْمٍ، وَإِنَّمَا الضِّرَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ فَأَمَّا الضَّرَرُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَمِثْلُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي عَرَصَتِهِ مِمَّا يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ، أَوْ فُرْنٍ لِلْخُبْزِ أَوْ لِسَبْكِ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ كِيرٍ لِعَمَلِ الْحَدِيدِ أَوْ رَحَى مِمَّا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ، وَقَالَهُ فِي الدُّخَانِ قَالَ وَأَرَى التَّنُّورَ خَفِيفًا، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ضَرَرَ الْفُرْنِ وَالْحَمَّامِ بِالْجِيرَانِ بِالدُّخَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِي دُورِهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015