(ص) : (قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي النَّخْلِ أَيْضًا أَنَّهَا تُسَاقَى السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ، وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْثَرَ قَالَ، وَذَلِكَ الَّذِي سَمِعْت، وَكُلُّ شَيْءٍ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلِ يَجُوزُ فِيهِ لِمَنْ سَاقَى مِنْ السِّنِينَ مِثْلُ مَا يَجُوزُ فِي النَّخْلِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ لَمَّا جَازَ أَنْ تُبَاعَ مَنْفَعَتُهَا الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا، وَهِيَ الزِّرَاعَةُ فِيهَا، وَاكْتِرَاؤُهَا لِلزَّرْعِ قَبْلَ الصَّلَاحِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَاقَاةُ فِيهَا.
(ش) : قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ عَقْدٌ لَازِمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَقْدٌ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ بَعْدَ عَقْدِهِ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَكَانَ، وَرَثَتُهُ مَكَانَهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا انْعَقَدَتْ الْمُسَاقَاةُ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا رُجُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ، وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْجِدَادِ لَبَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَلَيْسَ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ فِي عَيْنِ السَّقْيِ تَغُورُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلِلْعَامِلِ أَنْ يُنْفِقَ، وَيَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ الثَّمَرَةِ رَهْنًا بِيَدِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَامِلِ يَنْدَمُ فَيَسْأَلُ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَيَأْبَى صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنْ يُقِيلَهُ فَيُعْطِيَهُ عَلَى ذَلِكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي اللُّزُومَ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ قَبْلَ الْعَمَلِ لَمَا لَحِقَهُ نَدَمٌ، وَلَا سَأَلَ إقَالَةً، وَلَا زَادَ لِذَلِكَ مِائَةً، وَأَمَّا الْقَبْضُ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْقِرَاضِ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لِلْعَمَلِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُسَاقَاةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إذَا عَقَدَاهَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا حَتَّى يُتِمَّ أَجَلَهَا.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ جَازَ أَنْ يُعْقَدَ لَوْ جَائِب عِنْدَهُ كَاكْتِرَاءِ الْأَرْضِ، وَمَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَمِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْقَدَ إلَّا عَقْدًا مُطْلَقًا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَجَائِبُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَوَجَائِبُهُ بِالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ حَبِيبٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أُجْرَةَ الْعَامِلِ لَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ الَّتِي يَعْمَلُ فِي أَصْلِهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا فَكَانَ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يُمْكِنَ قِسْمَتُهَا كَرِبْحِ الْقِرَاضِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالسِّنِينَ يُرِيدُ مِنْ الْجِدَادِ إلَى الْجِدَادِ.
1 -
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ إنَّ النَّخْلَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاقَى لِسَنَتَيْنِ وَثَلَاثًا وَأَرْبَعًا وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَكْثَرَ يُرِيدُ مَا لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ جِدًّا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَشْرِ سِنِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسِينَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا، وَمَا لَمْ يَكْثُرْ جِدًّا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَمَنْ أَخَذَ النَّخْلَ مُسَاقَاةً ثَلَاثَ سِنِينَ فَعَمِلَ فِي النَّخْلِ سَنَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُتِمَّ أَجَلَ الْمُسَاقَاةِ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا قَبْلَ ذَلِكَ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِنَّ لَهُمَا أَنْ يَتَتَارَكَا بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْعَامِلُ شَيْئًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَلَا بَعْدَهُ.
وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ النَّخْلَ إلَى غَيْرِهِ مُسَاقَاةً فَإِذَا رَدَّهَا إلَى رَبِّهَا فَقَدْ سَاقَاهُ فِيهَا، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يَزِيدَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَكُونُ زِيَادَةً مِنْ أَحَدِ الْمُسَاقِيَيْنِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُسَاقَاةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لَهُ اُخْرُجْ، وَأُعْطِيكَ قِيمَةَ مَا أَنْفَقْتَ وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ.
(فَرْعٌ)
فَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الْعَامِلُ النَّخْلَ مُسَاقَاةً إلَى رَبِّ الْحَائِطِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَهُ مَا لَمْ تَطِبْ الثَّمَرَةُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَمَا لَمْ يَضْمَنْ لَهُ الْجُزْءَ الْبَاقِيَ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ حَتَّى يَحْتَاجَ الْعَامِلُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ حَائِطٍ آخَرَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَاقَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ فَهِيَ مُسَاقَاةٌ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْأَوَّلَ لَمَّا عَمِلَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَاقِيَهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ فَيَبْقَى لِلْعَامِلِ فِي الْحَائِطِ سُدُسٌ أَوْ رُبْعٌ كَمَا يَبْقَى لِصَاحِبِ الْحَائِطِ إذَا سَاقَى غَيْرَهُ فَإِذَا سَاقَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ