وَكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ لَيْسَتْ مِمَّا أُقَارِضُك عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي وَلَا يَصْلُحُ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا قَالَ لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَكُونُ أَجِيرًا لِأَنَّ الْمُكَافَأَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جَنْبَةِ الْعَامِلِ بِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَمَاءِ الثَّمَرَةِ، وَيَبْقَى لَهُ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ جَدِّ الثَّمَرَةِ عَيْنٌ ثَابِتَةٌ لِيَنْتَفِعَ بِهَا، وَكُلُّ بُقْعَةٍ فِي الْحَائِطِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ نَوْعٌ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِهِمْ فِي الْحَائِطِ فَإِذَا اُشْتُرِطَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلٌ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ كَمَا لَا يَصِحُّ فِي الْقِرَاضِ لِأَنَّ الْقِرَاضَ أَصْلٌ لِلْمُسَاقَاةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
1 -
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ إجَارَتُهُ مَعْنَاهُ إنَّهُ إذَا خَرَجَ عَنْ شَبَهِ الْمُسَاقَاةِ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ، وَبَعْضُهُ، وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْإِنْفَاقِ أَوْ بَعْضُهُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْإِجَارَةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُقَدَّرَةِ، وَالْمُسَاقَاةُ إنَّمَا تَنْعَقِدُ بِجُزْءٍ مَذْكُورٍ أَوْ بِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ، وَهُوَ قَدْرٌ مَجْهُولٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ عَلَى أَوْسُقٍ مُقَدَّرَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ فَمَا أَفْسَدَ الْإِجَارَةَ مِنْ ذَلِكَ صَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ، وَمَا صَحَّحَ الْمُسَاقَاةَ أَفْسَدَ الْإِجَارَةَ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ سُنَّةَ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَامِلِ جَمِيعُ الْعَمَلِ، وَجَمِيعُ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالدِّلَاءِ وَالْحِبَالِ وَالْآلَاتِ مِنْ حَدِيدٍ، وَغَيْرِهِ لَا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَائِطِ يَوْمَ السِّقَاءِ فَيَسْتَعِينُ بِهِ الْعَامِلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مَآلِ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا إلَى الْعَمَلِ، وَهُوَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْعَامِلِ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَمَلَ يَكُونُ مَعْلُومًا فَمَا كَانَ لَهُ عُرْفٌ قَامَ مَقَامَ الْوَصْفِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ وَصْفِهِ مِنْ عَدَدِ الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ، وَسَائِرِ الْعَمَلِ فَإِنْ قَصَرَ عَمَّا شَرَطَ عَلَيْهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ سَاقَى حَائِطَهُ عَلَى أَنْ يَحْرُثَهُ ثَلَاثَ حَرْثَاتٍ فَيَحْرُثَهُ حَرْثَتَيْنِ قَالَ يَنْظُرُ جَمِيعَ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ مِنْ حَرْثٍ وَسَقْيٍ وَقَطْعٍ وَجَنْيٍ فَيَنْظُرُ مَا عَمِلَ هُوَ مِمَّا تَرَكَ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ الثُّلُثَ حُطَّ ثُلُثُ نَصِيبِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي مُقَابَلَةِ جَمِيعِ الْعَمَلِ فَإِذَا تَرَكَ بَعْضَهُ حُطَّ مِنْ الْعِوَضِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَ مِنْ الْعَمَلِ قَدْ وُجِدَ لَهُ بَدَلٌ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ السَّقْيِ فَيُغْنِيَ عَنْ ذَلِكَ الْمَطَرُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُحَاسِبُهُ رَبُّ الْحَائِطِ بِذَلِكَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ الْحَائِطَ مَا احْتَاجَ مِنْ السَّقْي، وَلَا يُقَدَّرُ ذَلِكَ بِعَدَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، وَإِذَا سَقَاهُ الْمَطَرُ أَوْ السَّيْلُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى سَقْيٍ آخَرَ.
(فَرْعٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُجَرَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ أُجَرَاءُ اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ اسْتِئْجَارَهُمْ، وَأُجَرَاءُ كَانُوا فِي الْحَائِطِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ فَأَمَّا مَنْ اسْتَأْنَفَ الْعَامِلُ اسْتِئْجَارَهُمْ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِ يَوْمَ الْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ أُجْرَتَهُمْ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ أُجْرَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ قَالَهُ فِي الْوَاضِحَةِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَعَلَى الْعَامِلِ رَمُّ قَصَبَةِ الْبِئْرِ وَحِبَالِهِ وَقَوَادِيسِهِ، وَمُؤْنَةُ الْمَاءِ وَالْحَدِيدُ لِعَمَلِهِ فَإِذَا انْقَضَى عَمَلُهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ مَعَانٍ تَتَكَرَّرُ، وَكَذَلِكَ مَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ إصْلَاحُهُ، وَهُوَ مِنْ الْآلَاتِ الْمَوْصُوفَةِ فِي الْعَمَلِ، وَكَانَتْ مِنْ الَّذِي يَلْزَمُ الْعَامِلَ، وَمَا كَانَ عَمَلًا ثَابِتًا كَالْبِنَاءِ الَّذِي يَبْقَى، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ مَرَّةً لِخَرَابٍ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لِاسْتِئْنَافِ عَمَلٍ فَذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ فَهِيَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَعَلَى الْعَامِلِ فِي الثَّمَرِ جِدَادُهُ بَعْدَ أَنْ يُثْمِرَ، وَفِي التِّينِ وَالْكَرْمِ قِطَافُهُ، وَتَيْبِيسُهُ فِي مُسَاقَاةِ الزَّرْعِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَصَادُ الزَّرْعِ، وَدَرْسُهُ عَلَى الْعَامِلِ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْعَامِلِ تَهْذِيبُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَالِ اسْتِقَامَةٍ، وَالصِّفَةُ الَّتِي يُدَّخَرُ عَلَيْهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ، وَأَمَّا الزَّيْتُونُ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْعَامِلِ عَصْرُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ غَالِبُ عَمَلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَمُنْتَهَى عَمَلِهِ