(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُسَاقَاةِ الَّتِي يَجُوزُ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُسَاقِي شَدُّ الْحِظَارِ، وَخَمُّ الْعَيْنِ وَسَرْوُ الشَّرَبِ وَإِبَارُ النَّخْلِ وَقَطْعُ الْجَرِيدِ وَجَذُّ الثَّمَرِ هَذَا، وَأَشْبَاهُهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَاقِي شَطْرَ الثَّمَرِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَصْلِ لَا يَشْتَرِطُ ابْتِدَاءً عَمَلَ جَدِيدٍ يُحْدِثُهُ فِيهَا مِنْ بِئْرٍ يَحْتَفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَرْفَعُ رَأْسَهَا أَوْ غِرَاسٍ يَغْرِسُهُ فِيهَا يَأْتِي بِأَصْلِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ ضَفِيرَةٍ يَبْنِيهَا تَعْظُمُ فِيهَا نَفَقَتُهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ ابْنِ لِي هَاهُنَا بَيْتًا أَوْ احْفِرْ لِي بِئْرًا أَوْ أَجْرِ لِي عَيْنًا أَوْ اعْمَلْ لِي عَمَلًا بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ ثَمَرُ الْحَائِطِ، وَيَحِلَّ بَيْعُهُ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.
وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا إذَا طَابَ الثَّمَرُ وَبَدَا صَلَاحُهُ، وَحَلَّ بَيْعُهُ ثُمَّ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ اعْمَلْ لِي بَعْضَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِعَمَلٍ يُسَمِّيهِ لَهُ بِنِصْفِ ثَمَرِ حَائِطِي هَذَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بِشَيْءٍ مَعْرُوفٍ مَعْلُومٍ قَدْ رَآهُ، وَرَضِيَهُ فَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَائِطِ ثَمَرٌ أَقَلَّ ثَمَرُهُ أَوْ فَسَدَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَجِيرَ لَا يُسْتَأْجَرُ إلَّا بِشَيْءٍ مُسَمًّى لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إلَّا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْإِجَارَةُ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ إنَّمَا يَشْتَرِي مِنْهُ عَمَلَهُ، وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إذَا دَخَلَهُ الْغَرَرُ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ جَنْيُهُ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ إنَّ جَنَاهُ صَبْرُهُ عَلَى صِفَةٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَيُدَّخَرُ عَلَيْهَا غَالِبًا.
(ش) : قَوْلُهُ مِمَّا يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ شَدُّ الْحِظَارِ، وَالْحِظَارُ هُوَ مَا يُحْظَرُ بِهِ عَلَى الْحَظِيرَةِ، وَهُوَ الْحَائِطُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الزَّرْبَ فَمَا اثْتَلَمَ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ سَدُّ ذَلِكَ الثُّلْمِ، وَيُرْوَى سَدُّ الْحِظَارِ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَرْخِيَ رِبَاطُهُ فَيَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ شَدَّهُ، وَخُمُّ الْعَيْنِ تَنْقِيَتُهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَهُوَ كَنْسُهَا وَسَرْوُ الشَّرَبِ هُوَ الْكَنْسُ وَالشَّرَبُ الْحَوْضُ حَوْلَ النَّخْلَةِ وَالشَّجَرَةِ لِيَبْقَى فِيهِ الْمَاءُ بَعْدَ السَّقْيِ قَالَ زُهَيْرٌ
يَخْرُجْنَ مِنْ شَرَبَاتٍ مَاؤُهَا طُحُلٌ ... عَلَى الْجَزُوعِ يَخَفْنَ الْغَمَّ وَالْغَرْقَا
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي يُنْمِي الثَّمَرَةَ، وَيُوَصِّلُ إلَى صَلَاحِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ فِي سَرْوِ الشَّرَبِ سَوْقُ الشَّرَبِ، وَهُوَ جَلْبُ الْمَاءِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ مِنْ مُسْتَقَرِّهِ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي يُسْقَى بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَرْوُ الشَّرَبِ تَنْقِيَةُ الْحِيَاضِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الشَّجَرِ وَتَحْصِينُ حُرُوفِهَا وَمَجِيءِ الْمَاءِ إلَيْهَا، وَزَمُّ الْقُفِّ، وَهُوَ الْحَوْضُ الَّذِي يُفْرَغُ فِيهِ الدَّلْوُ، وَيَجْرِي مِنْهُ إلَى الضَّفِيرَةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ سَرْوَ الشَّرَبِ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا خَمُّ الْعَيْنِ، وَزَمُّ الْقُفِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ إصْلَاحَ الْقُفِّ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ حَرْفُ الْقُفِّ وَإِصْلَاحُ كَفِّ الزَّرْنُوقِ قِيمَتُهُ الدُّرَيْهِمَاتُ أَوْ الدِّينَارُ، وَهُوَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ الْعَامِلِ إصْلَاحُ كَسْرِ الزَّرْنُوقِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى صِلَةٍ لَهَا قِيمَةٌ وَثَمَنٌ كَبِيرٌ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ عَصْرَ الزَّيْتُونِ رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَصْرُ الزَّيْتُونِ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُقَاسِمَهُ الزَّيْتُونَ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ عَصْرَ حِصَّةِ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مُنْتَهٍ كَالْجِدَادِ لِأَنَّ