(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا سَاقَى الرَّجُلُ النَّخْلَ، وَفِيهَا الْبَيَاضُ فَمَا ازْدَرَعَ الرَّجُلُ الدَّاخِلُ فِي الْبَيَاضِ فَهُوَ لَهُ قَالَ: وَإِنْ اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِي الْبَيَاضِ لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِأَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ يَسْقِي لِرَبِّ الْأَرْضِ فَذَلِكَ زِيَادَةٌ ازْدَادَهَا عَلَيْهِ قَالَ وَإِنْ اُشْتُرِطَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمُؤْنَةُ كُلُّهَا عَلَى الدَّاخِلِ فِي الْمَالِ الْبَذْرُ وَالسَّقْيُ وَالْعِلَاجُ كُلُّهُ فَإِنْ اشْتَرَطَ الدَّاخِلُ فِي الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَيْك كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زِيَادَةً ازْدَادَهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ فِي الْمَالِ الْمُؤْنَةُ كُلُّهَا، وَالنَّفَقَةُ، وَلَا يَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْهَا شَيْءٌ فَهَذَا وَجْهُ الْمُسَاقَاةِ الْمَعْرُوفُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّأْنِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ عَالِمًا بِثَمَرِ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَمَا يَنْقُصُ بِالْجُفُوفِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ «فَجَعَلُوا لَهُ حُلِيًّا، وَقَالُوا هَذَا لَك وَخَفِّفْ عَنَّا» أَرَادُوا بِذَلِكَ التَّخْفِيفَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ فِي الْخَرْصِ، وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا التَّخْفِيفُ الْيَسِيرُ فَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُقَاسَمَةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الزَّكَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنَّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إلَيَّ» يُرِيدُ لِكُفْرِهِمْ وَإِظْهَارِهِمْ الْعَدَاوَةَ وَالْمُخَالَفَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ أَنْبَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82] ثُمَّ قَالَ «وَمَا ذَاكَ بِحَامِلِي عَلَى الْحَيْفِ عَلَيْكُمْ» يُيَئِّسُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ حَيْفِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ مَحَبَّتِهِ فِيهِمْ وَسَعْيِهِ لَهُمْ.
(فَصْلٌ)
قَوْلُهُ «وَأَمَّا مَا عَرَضْتُمْ مِنْ الرِّشْوَةِ فَإِنَّهُ سُحْتٌ» يُرِيدُ حَرَامًا، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْيَهُودَ بِأَكْلِهَا فَقَالَ {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] .
وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] فَرَامُوا أَنْ يَسْتَنْزِلُوا ابْنَ رَوَاحَةَ لِمَا عَلِمُوا مِنْ وَرَعِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَحَرَصُوا أَنْ يُدْخِلُوهُ فِيمَا يَتَلَبَّسُونَ بِهِ مِنْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ وَأَكْلِ السُّحْتِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109] .
وَقَالَ {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] فَعَصَمَهُ اللَّهُ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] .
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُمْ «بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْإِقْرَارَ بِالْحَقِّ وَالرُّجُوعَ إلَى الِاعْتِرَافِ بِهِ إمَّا لِتَعْجِيلِ الْخِزْيِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ لِيَتَخَلَّصُوا بِهِ مِمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ يَحِلُّ بِهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ إذَا أَرَوْهُ الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِهِ، وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ.
(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَسْكُتَ عَنْ الْبَيَاضِ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ هُوَ لِصَاحِبِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ زِرَاعَةٍ وَإِجَارَةٍ أَوْ تَرْكٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَابْنُ حَبِيبٍ إنْ تَشَاحَّا عِنْدَ الزِّرَاعَةِ فَذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» .
فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، وَذَلِكَ وَقْتُ الِاشْتِرَاطِ وَاسْتِيفَاءِ الْجُفُوفِ وَتَبْيِينِهَا فَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَكُونُ لَهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَ الْعَامِلِينَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُسْلِمِينَ مَا تَنَاوَلَهُ اشْتِرَاطُهُ، وَهُوَ نِصْفُ الثَّمَرَةِ دُونَ سَائِرِ مَا بِأَيْدِيهِمْ، وَلِذَلِكَ انْفَرَدُوا بِمَسَاكِنِهَا وَمَسَارِحِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَعْطَى خَيْبَرَ لِيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْدَيْنِ أَوْ عَلَى مَكَانَيْنِ أَوْ زَمَانَيْنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى مَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ الْأَشْجَارِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى مَا قَدْ سَاقَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ