. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَطَاوُسٌ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِمِثْلِ مَا أَكْرَاهَا بِهِ، وَأَقَلَّ، وَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ عَاوَضَ عَلَى مِلْكِهِ كَبَائِعِ الْأَعْيَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا حَتَّى يَقْبِضَهَا، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهَا أَنْ يُؤَاجِرَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجَارَةُ كُلِّ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مِمَّا يَصِحُّ بَدَلَ مَنَافِعِهِ كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاعِينِ، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَإِجَارَتُهُ قَرْضُهُ، وَالْأُجْرَةُ سَاقِطَةٌ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ، وَغَيْرُهُ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ دُونَ الْأَعْيَانِ، وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ لَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُسْتَأْجَرَ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُمْكِنٌ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَضَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَكْتَرِيهَا وَيَحْمِلُ، وَلَهُ غَرَضٌ بِأَنْ يَرَى النَّاسَ أَنَّ مَعَهُ مَالًا كَثِيرًا فَيُتَاجِرَ وَيُنَاكِحَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَكُونُ الْمَالِكُ مَعَهُ لِئَلَّا يُنْفِقَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيُعْطِيَهُ بَدَلَهَا وَيَزِيدَهُ الْأُجْرَةَ فَيَكُونَ قَرْضًا بِعِوَضٍ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَ بِخِلَافٍ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ إنَّمَا مَنَعَ اسْتِئْجَارَهَا لِمَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ مَا أَبَاحَ اسْتِئْجَارَهَا بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّجَرِ لِمَنْفَعَتِهَا الْمَقْصُودَةِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِيَمُدَّ عَلَيْهَا الْحِبَالَ، وَيَبْسُطَ الْغَسَّالُ الثِّيَابَ عَلَيْهَا، وَمَا جَرَى مُجْرَى ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمَقْصُودَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
عَقْدُ الْإِجَارَةِ لَازِمٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ إنَّ لِلْمُكْرِي فَسْخَهُ لِلْعَدْلِ مِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ حَمَّالًا لِسَفَرٍ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ أَوْ يَمْرَضَ فَلَهُ الْفَسْخُ أَوْ يَكْتَرِيَ دَارًا ثُمَّ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ دُكَّانًا يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَحْتَرِقُ مَتَاعُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ فَكَانَ لَازِمًا بِالشَّرْعِ كَالْبَيْعِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَا يَمْلِكُ فِيهِ الْمُكْرِي فَسْخَ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْمُكْتَرِي فَسْخَهُ لِأَنَّهُ كَالْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْإِجَارَةِ مُعَيَّنَةً كَانَتْ أَوْ مَضْمُونَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَحَدُ نَوْعَيْ مَا يُقْصَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَحْضَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ إجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعَيْنٍ، وَإِجَارَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً مُعَيَّنَةً، وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً يَأْتِيهِ بِهَا يَعْمَلُ عَلَيْهَا عَمَلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ بَيْعُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، وَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ دَابَّةً مَوْصُوفَةً فِي ذِمَّتِهِ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مَنَافِعَهَا.
(فَرْعٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ كِرَاءً مَضْمُونًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْيِينَ يُنَافِي الضَّمَانَ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَةَ يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِهَا، وَالْكِرَاءُ بِعَيْنِهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ مَنَافِعُهَا الْمُخْتَصَّةُ بِهَا لَا يَقُومُ غَيْرُهَا فِي ذَلِكَ مَقَامَهَا، وَالْكِرَاءُ الْمَضْمُونُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْكَرِيِّ فَلَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فَإِذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ لِلْمُكْتَرِي عَلَى الْكَرِيِّ مِنْ ثَمَنِ الْمَنَافِعِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَنَافِعَ دَابَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكِرَاءَ عَلَى الضَّرْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ يَتَقَدَّرُ عَمَلُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ بِالْعَمَلِ، وَبِالزَّمَنِ فَالْعَمَلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ارْكَبْ هَذِهِ الدَّابَّةَ إلَى الرَّمْلَةِ أَوْ إلَى مِصْرَ أَوْ إلَى بَرْقَةَ أَوْ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَةُ بِالثَّمَنِ فَمِثْلُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا شَهْرًا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مَا يَكْتَرِي عَلَيْهِ بِأَحَدِ