(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَكَارَاهَا بِهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَتْرُكَهُ تَرَكَهُ، وَقَدْ قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا أَرَاهُ جَائِزًا، وَهُوَ جُلُّ قَوْلِهِ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ مِنْ أَنَّ الْجُعْلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا، وَهَذَا إنْ لَزِمَهُ الْعَمَلُ فَعَمِلَ يَوْمَهُ أَجْمَعَ، وَلَوْ يَبِعْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ بَاعَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ سَقَطَ عَنْهُ عَمَلُ سَائِرِ النَّهَارِ يُشِيرُ إلَى الْغَرَرِ مَعَ اللُّزُومِ.
وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجُعْلِ، وَالْإِجَارَةِ يَتَقَدَّرُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ، وَالثَّانِي بِالزَّمَنِ فَإِذَا تَقَدَّرَ بِالْعَمَلِ فِي الْجُعْلِ، وَالْإِجَارَةِ جَازَ، وَإِذَا تَقَدَّرَ بِالزَّمَنِ جَازَ فِي الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا فِي الْجُعْلِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى اللُّزُومِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ الْجُعْلِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوَازِ، وَمَتَى فَاتَهُ اللُّزُومُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْجَوَازِ، وَأَنَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمُدَّةِ تَرَكَ فَلَا يَفْسُدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ يُرَاعِي الْعَمَلَ بَعْدَ الزَّمَنِ فَإِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ الْعَمَلُ بَعْدَ ذَلِكَ الزَّمَنِ حَتَّى يُكْمِلَ وَيَسْتَوْفِيَ جُعْلَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَقَدْ بَطَلَ التَّوْقِيتُ بِالزَّمَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَمَا قُدِّرَ مِنْ الزَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْمَلُ جَمِيعَ الْمُدَّةِ فَيَنْتَفِعُ الْجَاعِلُ بِعَمَلِهِ ثُمَّ يَمْنَعُ إتْمَامَ الْعَمَلِ فَذَهَبَ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ مَتَى شَاءَ فِي الْيَوْمِ، وَبَعْدَهُ.
وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ مِنْ الْغَلَّةِ بِحَيْثُ يَتَيَقَّنُ إنَّهُ يُمْكِنُ غَالِبًا إكْمَالُهُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ الزَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ بِالزَّمَنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ تَعْلِيقِهِ بِزَمَنٍ يَنْقَضِي فِيهِ الْعَمَلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ لَك دِرْهَمٌ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ بِقُلَّةٍ مِنْ مَاءٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ الْعَمَلُ بِالْيَوْمِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِالْإِتْيَانِ بِالْقُلَّةِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْقَرِيبِ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْهُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ ذَلِكَ بِالْيَوْمِ لِئَلَّا يَأْتِيَهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ يُؤَخِّرَ إتْيَانَهُ بِهَا عَنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا يَطْحَنُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ إرْدَبَّيْنِ فَوَجَدَهُ يَطْحَنُ إرْدَبًّا وَاحِدًا رَدَّهُ فَظَاهِرُ هَذَا تَجْوِيزُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدُوسٍ عَنْ سَحْنُونٍ إنَّمَا سُئِلَ مَالِكٌ فِي الْفَرَّانِينَ يَسْتَأْجِرُونَ الْأُجَرَاءَ، وَيَطْرَحُونَ عَلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ طَرِيحَةً مَعْلُومَةً يُسْتَأْجَرُ الْأَجِيرُ شَهْرًا يَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ طَرِيحَةً مَعْلُومَةً بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَفْرُغُ كُلَّ يَوْمٍ، وَلَا يَحْتَمِلُ لِذَلِكَ النَّظَرَ لِأَنَّ الطَّرِيحَةَ أَمَدٌ، وَالْيَوْمُ أَمَدٌ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ الرَّجُلَ يَحْمِلُهُ إلَى مِصْرٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَمَدًا، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَا ضُرِبَ مِنْ الزَّمَنِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ لِلْعَمَلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ تَقْدِيرِ الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى التَّرَاضِي لَا يَكُونُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَمَدٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ ذَلِكَ الْعَقْدِ لِمَعْرِفَتِهِمَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْفَرَاغِ مِنْهُ مَعَ الرِّفْقِ، وَيَتَّفِقُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْوَصْفِ لِعَمَلِهِ، وَمِقْدَارُ نَهْضَتِهِ فِيهِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ ذِكْرُ الزَّمَنِ، وَوَصْفُ مِقْدَارِ الْعَمَلِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَقُولُ لِلرَّجُلِ ابْتَعْ لِي هَذِهِ السِّلْعَةَ الْكَثِيرَةَ إلَى أَجَلِ كَذَا، وَلِي كَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى شِئْت تَرَكَتْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ لَمْ يَنْقُدْ، وَإِنْ نَقَدَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَصْلُحُ فِيهِ النَّقْدُ، وَلَمْ تَقَعْ الْإِجَارَةُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ، وَإِنَّمَا وَقَعَتْ إجَارَةٌ لَازِمَةٌ شُرِطَ فِيهَا الْخِيَارُ فَاقْتَضَى إطْلَاقَ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهِ إنْ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَلَك أَنْ تَتْرُكَ مَتَى شِئْت إنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْعَامِلِ فَإِنْ بَاعَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِهِ، وَإِنْ انْقَضَى الْيَوْمُ، وَهُوَ مُحَاوِلٌ الْبَيْعَ، وَلَمْ يَبِعْ فَلَهُ الدِّرْهَمُ كَامِلًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ، وَبَعْدَهُ فَإِنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْجُعْلِ فَإِنْ عَمِلَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَمْ يَبِعْهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ فِي أَوَّلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَهُ الْجُعْلُ أَجْمَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : قَوْلُهُ فِي الَّذِي يَكْتَرِي الدَّابَّةَ لَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا اكْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ، وَبِهَذَا قَالَ