. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ الرَّدَّ بِالتَّصْرِيَةِ، وَلَيْسَ هَاهُنَا وَجْهٌ يَرُدُّ بِهِ إلَّا بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَازِمًا، وَوَجْهُ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمُبْتَاعَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا بِالْحَلْبِ إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ مَعْنَى التَّدْلِيسِ سَتْرُ الْعَيْبِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّصْرِيَةِ لِأَنَّ الْبَائِعَ سَتَرَ مَا فِي شَاتِه أَوْ نَاقَتِهِ مِنْ قِلَّةِ اللَّبَنِ عَمَّا ابْتَاعَ عَلَيْهِ الْمُبْتَاعُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبْتَاعَ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ عَادَةٌ فِيهَا، وَعَلَى ذَلِكَ اشْتَرَاهَا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ نَقْصُهَا عَنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا لَوْ جَعَّدَ الْبَائِعُ شَعْرَ جَارِيَتِهِ فَاشْتَرَاهَا الْمُبْتَاعُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرَّدُّ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ» بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ حَلَبَ ثَلَاثًا لَزِمَتْهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا سُئِلَ أَيَرُدُّهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ إذَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَبَرَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا حُلِبَ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَعَ الرَّدَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكُونُ الْخِيَارُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ «بِالْخِيَارِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا ثَلَاثًا» ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَلْبَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُعْلَمُ بِهَا حَالُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَقْصُ اللَّبَنِ لِاخْتِلَافِ الْمَرْعَى، وَلِأَنَّ التَّحْفِيلَ يُقَلَّلُ لَبَنَهَا فِي الْحَلْبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا حَقِيقَةُ أَمْرِهَا بِالثَّالِثَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهَا لِأَنَّهُ بِهَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهَا.

1 -

(مَسْأَلَةٌ)

وَإِنْ اشْتَرَى غَنَمًا غَيْرَ مُصَرَّاةٍ فَحَلَبَهَا فَلَمْ يَرْضَ حِلَابَهَا فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ حِلَابَهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوَى عِلْمُهَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ جُزَافًا كَالْبَائِعِ لِصُبْرَةِ الطَّعَامِ فَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ قَدْرَ مَا يُحْلَبُ فَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعَ فَإِنْ كَانَ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهُ الرَّدُّ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ صُبْرَةً جُزَافًا قَدْ عَلِمَ كَيْلَهَا فَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ الْمُبْتَاعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ عَرَفَ قَدْرَ لَبَنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَاةَ لَبَنٍ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لِلْمُبْتَاعِ رَدُّهَا حُلِبَتْ أَوْ لَمْ تُحْلَبْ إذَا كَانَتْ شَاةَ لَبَنٍ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ فِي ثَمَنِهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي كَثْرَتِهِ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تُبَعْ لِشَحْمِهَا وَلَحْمِهَا وَلَا لِنِتَاجِ مِثْلِهَا ذَلِكَ اللَّبَنَ، وَإِنَّمَا بَيْعُهُ لِلَبَنِهَا فَلَهُ الرَّدُّ إذَا كَتَمَهُ الْبَائِعُ قَدْرَ اللَّبَنِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَقْصِدْ بِابْتِيَاعِهِ اللَّبَنَ، وَإِذَا كَانَتْ فِي إبَّانِ لَبَنِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلَبَنِهَا فَرُوعِيَ ذَلِكَ فِيهَا.

(مَسْأَلَةٌ)

وَإِنْ كَانَتْ إبِلًا أَوْ بَقَرًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَتْ الْبَقَرُ يُطْلَبُ مِنْهَا اللَّبَنُ مِثْلُ مَا يُطْلَبُ مِنْ الْغَنَمِ فَهِيَ بِمَنْزِلَتِهَا.

1 -

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ اشْتَرَى شَاةً عَلَى أَنَّهَا تَحْلُبُ قِسْطًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْبَيْعُ جَائِزٌ، وَتُجَرَّبُ الشَّاةُ فَإِنْ كَانَتْ تَحْلُبُ مَا شَرَطَهُ لَهُ، وَإِلَّا رَدَّهَا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ فِي أَنَّهَا بِالتَّصْرِيَةِ تُرَدُّ فَبِأَنْ تُرَدَّ فِي هَذَا أَوْلَى، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الشَّرْطِ فَإِذَا ثَبَتَ بِهَا الرَّدُّ فَبِأَنْ تُرَدَّ بِالشَّرْطِ، وَهُوَ أَبْيَنُ أَوْلَى.

(فَصْلٌ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ اخْتَارَ إمْسَاكَهَا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ لَهُ التَّصْرِيَةُ أَمْسَكَهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قُلْت لِمَالِكٍ أَتَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ قَالَ نَعَمْ، وَإِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا سَمِعْت أَوْ لَا حَدَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَشْهَبُ، وَقَالَ جَاءَ مَا يُضَعِّفُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ، وَسَأَلْت عَنْهُ مَالِكًا فَكَأَنَّهُ ضَعَّفَهُ.

وَقَالَ أَشْهَبُ: وَهُوَ لَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ، وَقَدْ أَكَلَ لَبَنَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

فَوَجْهُ رَدِّ الصَّاعِ أَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي فِي الضَّرْعِ حَالَ التَّحْفِيلِ مَبِيعٌ مَعَ الشَّاةِ، وَإِذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ أَوْ تَغَيَّرَ بِالْحَلْبِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عِوَضًا مِنْهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015