(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّجْشِ» قَالَ وَالنَّجْشُ أَنْ تُعْطِيَهُ بِسِلْعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَلَيْسَ فِي نَفْسِك اشْتِرَاؤُهَا فَيَقْتَدِيَ بِك غَيْرُك) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالثَّمَرَةِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ وَالصُّوفِ عَلَى الْغَنَمِ، وَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَرُدُّهُ الْمُبْتَاعُ، وَلَا يَرُدُّ عِوَضًا عَنْهُ، وَإِنَّمَا الصَّاعُ عِوَضٌ عَنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ خَاصَّةً، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَبَنٌ حُلِبَ بَعْدَ الشِّرَاءِ فَلَمْ يَرُدَّهُ الْمُبْتَاعُ لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَاللَّبَنِ الْحَادِثِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ضَعَّفَهُ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ لِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مَا رُوِيَ أَنَّ «الْغَلَّةَ بِالضَّمَانِ» ، وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ «الْغَلَّةِ بِالضَّمَانِ» لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ حَدِيثَ الْغَلَّةِ عَامٌّ، وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ خَاصٌّ فَيُقْضَى بِهِ عَلَى حَدِيثِ الْغَلَّةِ مَعَ أَنَّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هِيَ مَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُبْتَاعِ دُونَ مَا اشْتَرَاهُ مَعَ الْبَيْعِ.
(فَرْعٌ)
فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهُ صَاعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِهِ لِرَفْعِ التَّخَاصُمِ فِي ذَلِكَ لِكَثْرَةِ تَرَدُّدِهِ، وَادَّعَى الْبَائِعُ مِنْ اللَّبَنِ أَكْثَرَ مِمَّا يُظْهِرُهُ إلَيْهِ الْمُبْتَاعُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمَيِّزُ أَحَدَ اللَّبَنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ بَعْدَ الشِّرَاءِ إلَى وَقْتِ الْحَلْبِ فِي الْأَغْلَبِ مَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ فَحَكَمَ فِي عِوَضِ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَرْفَعُ الْخِصَامَ، وَيَحْسِمُ الدَّعَاوَى، وَهُوَ صَاعٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُقَدَّرٌ، وَهَذَا كَمَا «حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ» لَمَّا كَانَ لَا يَتَمَيَّزُ غَالِبًا ذَكَرُهُ مِنْ أُنْثَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ فِي الْأُنْثَى نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ، وَقَضَى فِي جَنِينِ الْأَمَةِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَنِينَيْنِ لَتَفَاوَتَتْ قِيمَتُهُمَا.
(فَرْعٌ)
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَرُدُّ إلَّا صَاعًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّ الْغَنَمَ أَطْيَبُ لَبَنًا وَالْإِبِلَ أَكْثَرُ لَبَنًا وَالْبَقَرَ أَكْثَرُ لَبَنًا مِنْ الْغَنَمِ، وَأَطْيَبُ لَبَنًا مِنْ الْإِبِلِ.
(فَرْعٌ)
فَإِذَا كَانَتْ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ عَدَدًا قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ بِوَجَدْت لِبَعْضِ شُيُوخِنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ يَرُدُّ لِجَمِيعِهَا صَاعًا وَاحِدًا، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ «لَا تَصُرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ يَرُدُّ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَاعًا لَرَأَيْت لَهُ وَجْهًا.
(فَرْعٌ)
وَمِمَّاذَا يَكُونُ الصَّاعُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ، وَجَدْته فِي كِتَابِي مَنْ اشْتَرَى شَاةً أَوْ نَاقَةً مُصَرَّاةً فَلَهُ إذَا حَلَبَهَا أَنْ يَرُدَّهَا، وَمَكِيلَةَ مَا حَلَبَ مِنْ اللَّبَنِ تَمْرًا أَوْ قِيمَتَهُ، وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ التَّمْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَصَاعًا مِنْ طَعَامٍ» ، وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَاعِ التَّمْرِ أَنَّهُ خَصَّ التَّمْرَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهُ كَانَ أَغْلِبَ قُوتِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْبِلَادِ غَالِبَ قُوتِهِمْ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ.
(فَرْعٌ)
فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ بَدَلَ الصَّاعِ لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ عَلَيْهِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَصَارَ ثَمَنًا قَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ فَلَا يَفْسَخُهُ فِي اللَّبَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَوَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ رَدُّهُ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْ اللَّبَنِ حِينَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُمْكِنُ رَدُّهُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ إقَالَةً، وَمَا ذَكَرْنَاهُ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(ش) : نَهْيُهُ عَنْ النَّجْشِ يَقْتَضِي فَسَادَهُ